الأخبار
عبد القادر شهيب
الإخوان بعد ترامب
خسر الإخوان في الانتخابات الرئاسية الأمريكية مرتين.. مرة لانهم فقدوا هيلاري كلينتون صديقتهم والداعمة لهم في البيت الأبيض، ومرة أخري حينما جاءت هذه الانتخابات بمنافسها ترامب الرافض لهم ويراهم لا يختلفون عن إرهابيي داعش، رئيسا للولايات المتحدة لأربع سنوات قادمة تبدأ في يناير المقبل.. وهكذا جاءت خسارة الإخوان مزدوجة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وزاد من فداحتها أن الفائز في هذه الانتخابات وصار الرئيس رقم 45 للولايات المتحدة بادر بمد يد التعاون للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي يعتبره الإخوان العدو الأول لهم، والذي لم يتوقفوا عن التآمر عليه والسعي للتخلص منه.
وهذا ما يفسر لنا رد الفعل الإخواني علي هزيمة هيلاري وفوز ترامب والذي اتسم بالحزن المخلوط بالاحباط والضيق والغضب ناهيك عن الخوف أيضا.. وهذا نرصده في تصريحات بعض رموز الإخوان والتي ذهبت إلي حد المطالبة بإجراء تغيير بنيوي في المجتمع الأمريكي كما قال جمال حشمت ونرصده أيضا في مشاركة عناصر إخوانية تعيش في أمريكا في المظاهرات التي اندلعت في بعض المدن الأمريكية احتجاجا علي فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، ونرصده كذلك في تراجع بعض قيادات الإخوان وتبرؤهم من دعوة 11/11 التي سبق ان تبنتها الجماعة في بيان لها.. فهم حينما تبنوا تلك الدعوة لم يكونوا يراهنون علي حدوث انتفاضة جماهيرية واسعة في مصر علي غرار ما حدث في 25 يناير، وإنما كانوا فقط يراهنون علي بعض التحركات والأحداث هنا وهناك تبرر لواشنطن ان تمارس ضغوطها علينا من أجل منع محاسبة الجماعة علي ما ارتكبوه من جرائم عنف، وإعادة دورها في المجتمع المصري، وهو ما لم يعد ممكنا في ظل إدارة أمريكية جديدة تري ان الإخوان في مصر معتدون وليسوا معتدي عليهم.
كما أن هذا يفسر لنا أيضا علي الجانب الآخر تلك الفرحة العارمة التي انتابت البعض لفوز ترامب وكذلك الافراط في التفاؤل إلي درجة تصور أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة سوف ينتهج سياسات ويتخذ قرارات كلها ستكون في مصلحتنا.. لكن قد تكون هذه الفرحة مبررة لأن خسارة هيلاري كلينتون الانتخابات الرئاسية في أمريكا ازاحت من البيت الأبيض داعما مهما لجماعة الإخوان.. فهذه السيدة التي ذكرت في كتابها أنها تأثرت بكلمات لوزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط عام 2011 تعكس تخوفه من أن يتولي الإخوان الحكم في مصر علي حياة أحفاده، هي التي مارست وهي وزيرة للخارجية ضغوطا علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة ورئيسه المشير طنطاوي في عام 2012 لكي يسلم كل السلطة للرئيس الإخواني محمد مرسي، أي ان يسلمه السلطة التشريعية التي كانت قد آلت للمجلس بعد حل مجلس الشعب، بل ولكي يترك المشير طنطاوي موقعه ويذهب إلي منزله، وهو ما حدث بعدها بأسابيع قليلة بقرار من مرسي.. كما ان هذه السيدة هي التي رفضت أيضا أن تري في خروج ملايين المصريين في 30 يونيو انتفاضة شعبية ضد حكم الإخوان الفاشي، وأصرت مثل كل إدارة أوباما علي ان تعتبر التخلص من هذا الحكم انقلابا عسكريا، وسجلت ذلك صراحة في كتابها أيضا.
وفي المقابل فان فوز ترامب سوف يزيد من خسارة الإخوان أكثر، لانه علي عكس هيلاري الصديقة لهم، يراهم لا يختلفون عن إرهابيي داعش فضلا عن انه بادر وهو مرشح بإعلان دعمه ومساندته للرئيس السيسي إذا ما فاز في الانتخابات، نظرا لانه يخوض حربا ضد الإرهاب في مصر ومن أجل العالم كله. ويضاف إلي ذلك كله ان احتمال اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية وحظر أنشطتها في أمريكا صار أكبر الآن بعد وصول ترامب إلي البيت الأبيض ونجاح الجمهوريين في حصد الأغلبية في الكونجرس بمجلسيه، النواب والشيوخ.. وحتي ولو تأخر ذلك فلم تعد أمريكا بالنسبة للإخوان ساحة يعملون فيها بحرية كما كان الحال من قبل، ولم يعد البيت الأبيض ينصت إليهم كما كان الحال في عهد أوباما، وكما كانوا يأملون بالطبع ان يستمر إذا ما فازت هيلاري بالرئاسة.
وهذا في حد ذاته يدعو للاغتباط لخسارة الإخوان المزدوجة، فهو سوف يضعف جماعتهم أكثر وبالتالي يحد من قدرتهم علي ايذائنا، كما يفعلون منذ أن قمنا بالإطاحة بحكمهم الفاشي والمستبد، سواء بعمليات العنف أو بخطط النيل من اقتصادنا.. وفي ذات الوقت فان ذلك يتيح فرصة لازالة التوتر الذي شاب العلاقات المصرية الأمريكية سواء في عهد بوش الابن أو في عهد أوباما، في ظل وجود ترامب في البيت الأبيض ووجود مستشارين له يتفهمون دور ومكانة مصر مثل مستشاره السياسي اللبناني الأصل، ويدركون أيضا خطورة جماعة الإخوان ويرون فيها الجماعة الأم للإرهاب، ويقدرون مبادرة الرئيس السيسي لتصحيح الخطاب الديني ومواجهة التطرف الديني الذي صنع لنا وحوشا آدمية انطلقت تقتل وتخرب وتدمر ليس في بلادنا وحدها وإنما في مناطق شتي من العالم.. ولعل ذلك هو سر الحزن والاحباط الذي أصاب الإخوان بعد خسارة هيلاري الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفوز ترامب بها.. فهم أدركوا أنهم لم يخسروا فقط البيت الأبيض ودعمه الذي حلموا به علي الأقل لعقد من الزمان، وإنما خسروا أمريكا كلها، أو خسروا فرصا واسعة كانوا يحظون بها فيها لدعم جماعتهم ماليا وسياسيا ولوجستيا.
غير أنه يتعين ألا يغيب علينا ان الرئيس الجديد الولايات المتحدة له رؤاه وأفكاره المختلفة وكلها تصب وتنبع من مصلحة أمريكا التي يراها من وجهة نظره.. وهو وإدارته سوف يعمل لتحقيق هذه المصلحة.. أريد القول انه لن يعمل أساسا من أجل مصلحتنا نحن وإنما من أجل تحقيق المصالح الأمريكية سواء تتلاقي أو تتعارض مع مصالحنا.. ودورنا ان نستثمر التلاقي في هذه المصالح وتفادي الآثار المترتبة علي التعارض في المصالح.
وإذ كنا قد تحقق لنا بخسارة هيلاري قدر من الطمأنينة لخسارة الإخوان داعما كبيرا لهم في أمريكا، فإننا يجب أن نعمل علي استثمار فوز ترامب لانهاء الحصار الاقتصادي المفروض علي بلادنا بدون إعلان رسمي من قبل أمريكا والغرب.. وكذلك اقناع الرئيس الجديد برؤانا بخصوص مشاكل المنطقة وما نطرحه من حلول سياسية لها وأيضا بان محاربة الإرهاب لا تقتضي محاربة كل المسلمين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف