محمد جبريل
الوطن العربي.. هل يخسر معركة المستقبل؟
إذا كانت الأرقام صادقة. فإنها تجيد توصيل المعلومة الحقيقية إلي القارئ بلا تهويل ولا تحجيم. بديهي أن تدخل أرقام البنك الدولي في هذا الإطار. لأنها تستند إلي بيانات وإحصائيات موثقة. مصدرها مؤسسات رسمية. تابعة للدول التي تتعامل مع البنك. فهي تضع حركتها في المجالات المختلفة تحت تصرف البنك. ليصدر من خلالها أرقامه وبياناته.
قدر البنك الدولي قيمة الحروب الأهلية في أقطار الوطن العربي. في الفترة منذ ثورات الربيع العربي حتي الآن. بأرقام لو أنها أنفقت علي تعمير الأقطار التي عانت ويلاتها. فلابد أنها كانت ستتحول إلي مجتمعات مثالية. ينعم فيها كل المواطنين بالرخاء والأمن والاطمئنان إلي المستقبل.
تشير الأرقام إلي أن إنفاقات الحروب بين أبناء القطر الواحد. مدفوعين بتحريضات وتدخلات أجنبية. في الفترة منذ يناير 2011 إلي نهاية 2015. أكثر من ألف مليار دولار. بالإضافة إلي نحو مليون ونصف المليون من الشهداء. وما يفوقهم من المصابين. بالإضافة إلي مئات المدن والقري. أزيل الكثير منها في الغارات التي عرف مصدرها أحياناً. وظل المصدر ـ في حالات أخري ـ مجهولاً حتي الآن.
بيانات منظمات الإغاثة الدولية تشير إلي أن 60% من أبناء اليمن يعيشون تحت خط الفقر. حتي من يجدون ثمن الطعام ينفقون معظمه علي القات. وهو مخدر لعين يضع المجتمع اليمني علي هامش الزمن. وفي سوريا. تبدلت الخريطة الديموغرافية بفعل التهجير. وفرار مئات الألوف خارج الوطن. بما شكل ظاهرة أخطر من التي أحدثها الأتراك في مهجري الأرمن أعوام الحرب العالمية الأولي. ومن هجمات العصابات الصهيونية ضد الشعب العربي في فلسطين. حتي حلب الشهباء التي نشرت رسائل صديقي الدكتور أحمد زياد محبك الأستاذ بجامعتها. عن قيمتها الأثرية والحضارية. وعن انتمائها إلي العصر الحديث بمنجزات علمية ومدنية. تحولت إلي خرائب وأطلال. ومن أصر علي العيش فيها تلاحقه الغارات التي ينسبها الجيش السوري إلي فصائل المعارضة والطيران الأمريكي والفرنسي. وتنسبها الفصائل المعارضة إلي الطيران الحكومي والروسي. ويشير البعض ـ بثقة ـ إلي الجهة الأشد احتمالاً. عبر الجولان المحتلة. وكما تحدد الأرقام. فإن خسائر الاقتصاد السوري بلغت أكثر من 800 مليار دولار. وبعد أن عاني الشعب الليبي من قسوة حكم القذافي. فإن معاناته الآن تحت حكم المتعلمين من أبنائه. أهملوا الظروف البشعة التي يحيا الشعب الليبي في تأثيراتها. وتحولوا إلي فصائل تتقاتل. سعياً للانفراد بالحكم. وبالطبع فإن ثمن الاقتتال يدفعه البسطاء من الليبيين.. وتمتد الظاهرة إلي أقطار عربية أخري. لم تقتصر خسائرها علي الشهداء والمصابين. وتهجير المواطنين. وتدمير المدن والقري. لكنها شملت تقويض الاقتصاد بإيقاف حركة الإنتاج. وغياب الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية. إلي حد يصدق معه الوصف بأن ما شهده الوطن العربي ـ ومازال ـ أقرب إلي عملية انتحار جماعي. أبرئ فيها الملايين من البسطاء. والساعين إلي لقمة العيش. وأدين المحسوبين علي شعوبهم ممن أتيح لهم بلوغ أوضاع اجتماعية أساءوا استغلالها. حتي أنهم تحولوا ـ تحت شعارات كاذبة ـ إلي أدوات فاعلة ضد شعوبهم.