صدمة كبيرة.. وانزعاج.. وغضب في أوساط الصحفيين.
بعد 200 سنة صحافة في مصر.. وتاريخ طويل من النضال الصحفي من أجل الحرية والكرامة.. يصدر لأول مرة في تاريخ مصر حكم بحبس نقيب الصحفيين يحيي قلاش وسكرتير عام النقابة جمال عبدالرحيم ووكيل النقابة خالد البلشي.
بالتأكيد نحن نحترم القضاء.. ولا نعلق علي أحكامه.. لكن الجماعة الصحفية بأكملها تشعر بالصدمة والإهانة والاستهانة والقهر.. هذا أمر لم يسبق له مثيل.. لم يكن أحد يتوقع إدانة رموز النقابة في قضية "إيواء" زميلين بمبني نقابتهم.. خصوصاً أن هذين الزميلين المتهمين حصلا علي "إخلاء سبيل".
وليس لدينا أدني شك في براءة النقيب قلاش وزميليه أمام محكمة الاستئناف.. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الرسالة التي حملها إلينا حكم الحبس سنتين وكفالة 10 آلاف جنيه لكل واحد من الزملاء الثلاثة.. في الوقت الذي يستعد فيه البرلمان لمناقشة قانون الصحافة والإعلام.. وكنا نمني أنفسنا بمزيد من الحرية والانفتاح للصحافة والصحفيين.
هل المطلوب أن يشعر الصحفيون بالقهر الآن.. وينشغلوا بأنفسهم عن قضايا الوطن والمواطنين؟!
هل المطلوب أن يهبط سقف الطموحات في مساحة أوسع من الحرية في القانون الجديد.. ويكون منتهي أملنا أن نكتب عن الشاي والسكر؟!
كثير من الصحفيين فهموا الحكم علي أنه رسالة سياسية.. و"قرصة ودن".. ليس للنقيب وزميليه فقط.. وإنما لجموع الصحفيين الذين ينادون بتوسيع نطاق الحريات.. ورفع السقف.. لكن الأمر المؤكد أن هذه الرسالة "السياسية" جاءت بنتيجة عكسية.. لأنها وحدت الصف الصحفي وراء النقيب وزميليه.. ورفعت أسهمهم.. وجعلت منهم أبطالاً يدافعون عن كرامة الصحافة والصحفيين.
الذين يعرفون طبيعة التوازنات والمعادلات السياسية يدركون جيداً أن الحكم المفاجئ الصادم جاء في صالح النقيب بلاشك.. وسيكون أكبر داعم لمواقفه أمام الجمعية العمومية.. وسيضمن له الفوز في الانتخابات القادمة لفترة نقابية ثانية.
الصحفيون لن ينحنوا ولن تنكسر إرادتهم.. والتحدي سيجعل منهم كتلة واحدة.. خصوصاً أن معظمهم يعلمون جيداً أن القضية المتهم فيها النقيب وزميلاه لا تقوم علي أساس صحيح.. فالزملاء الثلاثة لم يتستروا علي مجرمين أو متهمين.. والنقيب أجري اتصالات ومفاوضات لتسليم الزميلين المطلوبين لسلطات التحقيق "النيابة العامة" بعد أن احتميا في مبني نقابتهما.. وهو بذلك قد قام بدوره علي أكمل وجه بعيداً عن "التلكيك".. وأدي جهداً مشكوراً ومطلوباً يحسب له وللنقابة ولا يحسب عليه.. وكثير من نقبائنا السابقين قاموا بهذه المهمة من قبل وكانت محل فخر واعتزاز لهم.. لذلك عندما يحاكم النقيب قلاش وزميلاه بما فعلوا فإن الصحفيين جميعاً يشعرون بخطر حقيقي.. فيتضامنون معهم.. ويقفون في خندقهم.
لقد كانت الصحافة دوماً في مصر سلطة رابعة.. لها مكانة خاصة وحصانة خاصة.. وصاحبة جلالة.. مما يساعدها علي أداء رسالتها لصالح الوطن والمواطنين.. ومن أجل ذلك فإن الحكم بحبس النقيب وزميليه سيؤدي حتماً إلي اهتزاز مكانة الصحافة في المجتمع المصري وتشويه صورتها لدي المواطن العادي الذي يلجأ إليها عادة للدفاع عن حقوقه ورفع الظلم الواقع عليه.
كما أن الحكم سيضر حتماً بصورتنا في الخارج.. عندما يقال إن مصر تحبس نقيب الصحفيين وزميلين من أعضاء مجلس النقابة.. لاشك أن الخبر أحدث دوياً هائلاً في وسائل الإعلام الخارجية.. ورسم لمصر صورة سلبية كبلد يحارب حرية الصحافة.. وهناك جهات كثيرة حول العالم أعلنت تضامنها مع نقابة الصحفيين.. وهو ما سينعكس بالضرورة علي الاستثمار والمستثمرين الذين يرغبون في التعامل مع بلد يقيم دعائم الحرية والديمقراطية وتحظي فيه الصحافة بمكانة مرموقة.
لقد كسب النقيب وزميلاه كثيراً في هذه المعركة.. باعتبارهم يحافظون علي حقوق زملائهم ويدافعون عن مطالبهم وآرائهم.. بينما خسرت مصر.. وخسرت كثيراً.