الوطن
حسن ابو طالب
تهديدات «داعش» بين مكة والقاهرة
تخيل معى أيها القارئ الكريم أنك فى مكة، أقدس بقاع الأرض قاطبة، تؤدى صلاة أو تنهى شعيرة، وإذ بك تسمع صوت انفجار قوى يأتى بالقرب من الحرم، وترى بأم عينك من يجرى يميناً ومن يجرى يساراً ومن يعلو صوته سائلاً ما الذى حدث، ولا أحد يجيب لأن الجميع فى ذهول، بينما أفراد الأمن يتجهون إلى مصدر الانفجار تسابقهم عربات الإسعاف، وبينما هم كذلك يحدث انفجار آخر فى فندق قريب من الحرم فى أحد طوابقه العالية ويظهر الدخان كثيفاً، ويحدث هرج آخر، وبينما الجميع يتساءلون ما الذى يجرى، تأتى الإجابات أن شخصية كبيرة اُستهدفت، وحينها يدرك الجميع أن الانفجار الأول كان تمويهاً، أما الانفجار الثانى، فقد حقق هدفه.

المشهد السابق هو من وحى التحقيقات التى جرت طوال عام مع 292 متهماً تم تحويلهم إلى القضاء العسكرى بقرار من النائب العام قبل ثلاثة أيام، شكلوا 22 خلية تابعة لداعش دون أن يعرف أعضاؤها مَن قائد التنظيم، ولكنهم كانوا يتلقون الأوامر والتكليفات من خلال قيادات وسيطة ترأس تلك الخلايا. ويلفت النظر هنا عدة أمور متشابكة، أولها أن الخلايا المصرية كانت على اتصال وتنسيق مع خلايا مناظرة لها فى المملكة السعودية، والأخيرة كانت مهمتها معرفة الشخصية الكبيرة، وأين ستقيم أثناء تأدية العمرة وجلب المتفجرات وتخزينها ووضع خطة التفجير وتنفيذها.

والثانى أن إحدى الخلايا الموجودة فى السعودية مُشكلة من عمال مصريين وسعوديين يعملون فى الفندق القريب من الحرم المكى، وبالتالى كان من اليسير بالنسبة لهم أن يجلبوا المتفجرات إلى داخل الفندق دون أى عناء، وأن يرصدوا تحركات الأمراء السعوديين من خلال معرفة ما الذى يجرى فى مهبط الطائرات الموجود فى سطح هذا الفندق الكبير، مما يثير قضية الإجراءات التأمينية والأمنية فى هذه الفنادق الكبيرة. الثالثة أن فكرة القيام بتفجير أول يؤدى إلى تشتيت انتباه رجال الأمن هى فكرة سيدة وصفت بأنها دكتورة، وهى زوجة أحد المتهمين وهى التى أبدت استعدادها، لأن تكون انتحارية من أجل إنجاز المهمة الأم المتمثلة فى اغتيال الشخصية الكبيرة. وهنا فنحن أمام دمج كامل للمرأة المنتمية للتنظيم فى أعماله القذرة بداية من طرح الفكرة ومروراً بالتخطيط ونهاية بالتنفيذ. وحين تقدم سيدة نفسها قرباناً من خلال عمل انتحارى لا يقره دين، فلنا أن نتخيل حجم الكراهية التى يكنها هذا التنظيم، ومن هم على شاكلته للدولة العربية الوطنية ورموزها الكبيرة، وسعيهم الدائم لتدميرها ونشر الخراب فى ربوعها.

وفى حالتنا المصرية تظهر الواقعة حجم الكراهية الشديد الساكن فى نفوس أعضاء التنظيم للرئيس عبدالفتاح السيسى، كما تؤكد أن هذه التنظيمات التى ترفع مقولات وشعارات إسلامية، وتصر على أنها تسعى إلى إقامة دولة العدل الدينية، هى أبعد ما تكون عن منظومة القيم الإسلامية التى ترفض القتل وتنكر نشر الفساد، وتضع التسامح والغفران فى مرتبة عالية جنباً إلى جنب حفظ النفس والعقل والدين، وهى القيم المفقودة لدى هذه التنظيمات.

وهذه العناصر مجتمعة تفسر زيارة الوفد الأمنى السعودى الرفيع المستوى الذى جاء إلى مصر بصورة غير معلنة قبل أسبوعين تقريباً، ومكث عدة ساعات، ثم عاد إلى الرياض، والغالب أن هذه الزيارة التى سبقت كشف النائب العام فى مصر عن هذه القضية تضمنت تبادل آخر المعلومات حول العلاقة بين خلايا داعش فى مصر ونظيراتها فى المملكة، وتنسيق الجهود فى الكشف عن خلايا أخرى موجودة فى أى من البلدين.

ما سبق يؤكد أن داعش كان له وجود فى كل من مصر والسعودية، وأن البلدين مستهدفان بالقدر نفسه تقريباً، وكما كان مستهدفاً رئيس مصر أثناء تأدية العمرة، فإن ولى العهد الأمير محمد بن نايف كان مستهدفاً أيضاً فضلاً عن أمراء آخرين. بعبارة أخرى أن عقيدة التنظيم ترى أن قتل الرموز الكبيرة سيؤدى إلى تأثيرات سلبية فى البلدين، مما ييسر الاستيلاء على الحكم لاحقاً. وهو تفكير سطحى يتصور أن استمرارية الدولة ونظمها مرهونة فقط بوجود هذا الرمز أو ذاك، ويتجاهل أن هناك مؤسسات قوية وفاعلة تستطيع أن تسد فراغ السلطة إن حدث.

استهداف مصر والسعودية من قبل داعش ليس جديداً، والكشف عن خلايا عابرة للحدود، وتعمل مجتمعة يبدو أمراً عادياً نظراً لأن التنظيم لا يؤمن بالحدود بين الدول التى يراها فاسدة ومعوقة لبناء الدولة الإسلامية المزعومة، وبالمقابل فإن مواجهة التنظيم لن تجدى كثيراً إن ظلت مواجهة فردية لهذه الدولة أو تلك. ومن ثم فإن دعوة مصر لتشكيل تحالف عالمى لمواجهة هذا التنظيم والتنظيمات الأخرى كالقاعدة، تعد دعوة جديرة بالاهتمام، وإن كنت أتصور أن على مصر أن تبلور مشروعاً كاملاً لهذا التحالف وآلية عمله وطريقة صنع القرار فيه، والمسئوليات التى ستكون على الدولة التى تقبل عضوية هذا التحالف، وأن تعمل على تسويقه سياسياً ودعائياً وأن تطرحه دائماً للنقاش فى كافة زيارات الرئيس الخارجية، وأن تقوم وزارة الخارجية بحملة دبلوماسية قوية من أجل تحويل هذه الفكرة إلى مشروع عمل دولى حقيقى وجاد، وأن تطرحه على مجلس الأمن الدولى بعد القيام بمشاورات جادة مع الدول الأعضاء فى المجلس وصولاً لتبنيه من المنظمة الدولية.

وفى تصورى أن عامل التوقيت مهم للغاية، وأن هناك فرصة حقيقية لجذب معظم الدول للمشاركة فى هذا التحالف العالمى لمكافحة الإرهاب، ففى هذه الأيام، وبينما تقوم القوات المسلحة العراقية مدعومة بحشد شعبى طائفى ومنظمات كردية ومستشارين أمريكيين والحشد الوطنى الذى يمثل سنة العراق، من أجل تحرير الموصل من داعش، تتبارى أجهزة الاستخبارات الأوروبية والأمريكية فى بحث مصير مقاتلى داعش إذا تم تحرير الموصل. والواضح أن هناك شعوراً بعدم الارتياح جراء تشتت مقاتلى التنظيم فى العراق، وفى جواره وفى الدول الأوروبية والأفريقية. ولدى الأوروبيين تحديداً قناعة بأن نسبة كبيرة من مقاتلى داعش الأجانب هم من بلدان الاتحاد الأوروبى، وأن هؤلاء لديهم استعداد بالعودة إلى بلدانهم الأم وغالباً سوف يكلفون بالقيام بعمليات إرهابية فى بلدانهم الأصلية، وهو ما يفسر تكرار التحذيرات من قبل القادة الأوروبيين بأن هناك تهديدات حقيقية إذا عاد مقاتلو داعش، ولذا فإن تشكيل تحالف عالمى من شأنه أن يسد كثيراً من الثغرات، وأن يعالج قصور المواجهة المنفردة لداعش.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف