الوطن
محمد صلاح البدرى
كما لو كان مصرياً!!
١- حين اكتشف العلماء عقار الكورتيزون.. أطلق عليه البعض «الدواء السحرى».. فقد كان يؤدى جيداً فى معظم الأمراض التى فشلوا فى اكتشاف علاج لها.. لقد أصبح العلاج لأى شكوى للمريض دون البحث عن تشخيص لها.. كل هذا قبل أن يكتشفوا آثاره الجانبية المدمرة.. ويتم تحديد استخدامه تدريجياً.. حتى كادوا يتوقفون عنه تماماً! يحتاج الأمر فى بعض الأحيان أن نقف قليلاً لنتأمل ونشخص ما نعانى منه.. ونتوقف تدريجياً عن استعمال المسكنات.. دون أن نبحث عن العلاج الحقيقى!!

٢- لسبب ما لا أعرفه تصر الداخلية على أن تكون الشوكة التى تنغرز فى ظهر النظام دوماً.. ففى خضم الفرحة بتنفيذ توصيات مؤتمر الشباب الأول بشرم الشيخ.. وفى ظل السعادة والارتياح الذى يشعر به الكثيرون بأن وعود الرئاسة يتم تنفيذها على أرض الواقع فعلاً.. تطل علينا قضية مقتل المواطن «مجدى مكين» بوجه قبيح.. لتهدم كل ما يحاول النظام أن يثبته.. وما يسعى إليه من فتح صفحة جديدة أكثر وضوحاً وشفافية مع شباب الوطن!

الطريف أنها ليست الحادثة الأولى فى هذا السياق.. ولا أعتقد أنها ستكون الأخيرة.. ليست لدىَّ معلومات كافية لأعرف مدى مظلومية الضحية أو مدى تورط ضباط قسم شرطة الأميرية فى الحادث.. ولكن أحداثاً مشابهة تتوارد فى الأذهان لتجعل تصديق الأمر واعتماد قصة تعذيبه حتى الوفاة أمراً لا يمكن استبعاده.. بل ربما تكون الأصدق من كل الروايات!

٣- إنه نفس السيناريو المرسوم فى كل الحوادث المشابهة.. فبمجرد تداول الفيديو الخاص بتعذيب المواطن القتيل.. تسارع الداخلية إلى إصدار تصريحات تثير استفزاز الجميع.. وتلقى بالمسئولية على كل من يعيش على أرض هذا الوطن إلا هى.. فالقتيل مات بهبوط حاد فى الدورة الدموية.. أى إنه قد مات «موتة ربنا» دون أن يمسه أحد.. والدماء المتجلطة على جثته لا يعرفون عنها شيئاً.. حتى الكدمات المنتشرة على جسده بالكامل فهى من أثر التشريح.. والواقع أن التبريرات تثير الشفقة أكثر من إثارتها للضحك.. فأى طبيب حديث التخرج يعرف جيداً أن الكدمات لا تحدث فى «جثة» أبداً.. فالدورة الدموية المسئولة عن سريان الدماء فى أوردة الجسد قد توقفت.. فلا يمكن أن تتخثر تحت الجلد لتحدث ما نعرفه بالكدمة!!

كان يمكن لمتحدث الداخلية أن يعلن فتح التحقيق أولاً -وهو ما حدث بالفعل بعدها- قبل أن يصدر تصريحاته.. كان يمكن وقتها أن يكسب تعاطف الناس واحترامهم لمهنيته.. بل وحياده إلى حد كبير، ولكن لسبب لا يعرفه أحد.. تحاول الداخلية بكل السبل أن تفقد الجميع ثقتهم فيها.. وتعمل جاهدة على أن تخسر مصداقيتها بتبريراتها المتكررة لحوادث الانتهاكات «الفردية» كما تنعتها دائماً.. حتى يتدخل العقلاء من النظام.. ليبدأ التحقيق فى الواقعة.. الذى يثبت فى معظم الأحوال التجاوز الذى حدث.. الأمر تكرر فى حادث مقتل شيماء الصباغ.. ثم تذكرناه جميعاً فى الحادث الأشهر للإيطالى «ريجينى».. ثم حادثة طالب الطب «أحمد مدحت» الذى أعلنت المحكمة براءته من تهمة الدعارة الملفقة منذ عدة أيام.. حتى عادت مرة أخرى فى قضية «مجدى مكين»!!

٤- لا أعرف ما ستسفر عنه التحقيقات الجادة التى أثق أنها ستجرى بعد تدخل الرئاسة فى الحادث كالمعتاد.. ولا أنتظرها بلهفة كما يفعل الآخرون.. بل ربما أنتظر ما هو أهم.. أنتظر وقفة جادة من النظام لمنع تكرار تلك الحوادث.. ومنع تلك البيانات التى تخرج من وزارة الداخلية بسرعة لنفى أى تهمة تطالها! أنتظر تشخيصاً حقيقياً للمرض الذى أصاب داخليتنا منذ عقود.. تشخيصاً ربما يكون أولى خطوات العلاج الذى تحتاجه بشهادة شرفائها! وإذا لم يحدث ذلك.. أنتظر على أقل تقدير أن تبدأ وزارة الداخلية فى إعادة النظر فى من يصيغ لها بياناتها.. والعمل على تغيير العقليات التى تخرج سيناريوهات الأزمات داخلها.. فالتجديد مطلوب قطعاً.. حتى فى تأليف القصص!

٥- يصر البعض على قولبة الأزمة هذه المرة فى قالب طائفى.. فوجود ضحية مسيحية الديانة أمر غير مألوف فى حوادث الداخلية «الفردية» المشابهة.. والواقع أنها محاولات سخيفة للغاية.. البعض يحاول أن ينفخ فى النار التى تشتعل بسهولة فى هذا الوطن لأغراض تخصه وحده.. ويعلمها الجميع.. حتى إن محاولات الاستشهاد بالقضية من جانبهم تبدو مثيرة للشفقة.. فصل القول أن القتيل مواطن «مصرى».. مسلم أو مسيحى.. برىء أو مذنب.. قديس أو يعمل تاجراً للمخدرات.. فى كل الأحوال يمتلك مجدى مكين حقوقاً للمواطنة كانت تجعله يستحق معاملة إنسانية.. ومحاكمة عادلة.. وربما ميتة أفضل مما لاقى.. يستحق أن يعامل.. كما لو كان مصرياً!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف