فى تقديرى أن مصر ليست من الدول التى يصح أن تنشب بها حرب أهلية. حرب أهلية بين من؟!. مصر لا توجد فيها عرقيات أو مذهبيات، يمكن أن تُؤجّج حرباً بين أبنائها، مثلما حدث فى لبنان (سنة/ شيعة/ موارنة)، أو سوريا (سنة/ وشيعة علويون)، ليس فيها سادة بيض ورقيق سود، يمكن أن يتحارَبوا مثلما حدث فى الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فى مصر قبلية ولا قبائل يمكن أن تنصب رحى الحرب فى ما بينها، كما حدث فى المملكة العربية السعودية، قبل تأسيس الدولة السعودية الثانية، أو كما يحدث حالياً فى اليمن. أما من يتحدث عن كارت الطائفية (مسلمين ومسيحيين)، فخير له أن يلعب غيرها. فلم يحدث فى تاريخ المصريين أن احتربوا أهلياً بسبب الدين، فمصر ظلت عبر تاريخها حاضنة للأديان السماوية المعروفة، بل تقلب عليها شعبها بأعلى درجات الأريحية والتسامح.
موضوع الحرب الأهلية بعيد عن مصر كل البعد. التجربة التاريخية تقول إن مصر يمكن أن تشهد عنفاً فى أحوال معينة، لكنه فى كل الأحوال لا يرقى إلى مستوى الحرب الأهلية. نوعان من العنف تعرفهما مصر، العنف السياسى، والعنف الاجتماعى. ويتصل العنف السياسى بموضوع الصراع على السلطة. وقد شهدت مصر فصولاً متنوعة منه، ويكاد يكون هذا النوع من العنف موروثاً مملوكياً فى الأغلب. فقد عرف المماليك مسألة الصراع المسلح بين مجموعات متنافسة على السلطة، بما حملته هذه التجربة من عنف ومؤامرات، وتصالحات ومخاصمات، وصفقات كان يتم إبرامها حتى حين، وصراعات لم تتوقف على الحكم، كان يحطم فيها كل طالب للسلطة من يقف فى طريقه، مستعيناً فى ذلك بالمماليك المجلوبين من كل حدب وصوب. هذا الصراع لم يكن بين مصريين، بل بين مجاليب اشتراهم الأمراء من تركيا وآسيا والقوقاز وغيرها من المناطق الموردة للمماليك. وقد دأب الشعب على الجلوس فى مقاعد المتفرجين عند متابعة ومراقبة هذه الصراعات، ولم يكن لديه مانع فى نهاية المباراة، من أن يصفق ويهلل ويبارك لمن حسمها لصالحه. هذا النوع من الصراعات على الحكم يصعب أن يصنّف تحت يافطة الحروب الأهلية بحال من الأحوال.
تعالَ بعد ذلك إلى العنف الاجتماعى، المصريون يمكن أن ينشبوا فى لحظة مخالبهم فى بعضهم البعض، عندما يضيق بهم الحال، وتشح الأوقات، وتقل الأرزاق، وتسود المحن الاقتصادية، تماماً مثل القطط التى تتصارَع على رأس سمكة، يمكن أن تخمش بعضها البعض، لكن الأمر فى النهاية لا يعدو العراك أو «الخناقة» التى يصعب أن تتحول إلى حرب أهلية. يُحدّثنا التاريخ أن المصريين فى فترات المجاعات ينشبون مخالبهم فى بعضهم البعض من أجل الحصول على القوت، لكن المجاعة -التى ترتبط فى الأغلب بشح النيل- لا تدفعهم إلى الاحتراب الأهلى. ومن عجب أنهم لا يسقطون فى هذا الفخ، رغم أن المجاعات التى ضربت مصر عبر التاريخ استمرت سنين عدداً (سبع سنوات فى الأغلب). تأسيساً على ما سبق، أجد أن الحديث عن نشوب حرب أهلية بين المصريين تعوزه الدقة. المصريون بطبيعتهم لا يحبون الدماء، ولا يُفضّلون العنف.. المصريون أولاد دنيا.. مش بتوع الكلام ده..!.