عبد المنعم سعيد
دليل المواطن الذكى إلى النجاح الاقتصادى
وجه مجلس الوزراء بعد اجتماعه فى الأسبوع الماضى الشكر والتقدير للمواطنين المصريين على ما اعتبره قبولا بالخطة الاقتصادية، واستعدادا لتحمل تبعات تعويم العملة الوطنية،
والرفض الكامل لمحاولات استغلال الظروف الصعبة لخلق حالة من عدم الاستقرار فى الدولة. كان واضحا أن المسار الاقتصادى اتجه الى اتجاه لم يتوقعه غلاة المتشائمين فى مصر لا سياسيا ولا اقتصاديا ، فلا كان يوم 11/11 يوما للزلازل الجماهيرية، ولا كان الأسبوع الذى تلى التعويم عاكسا لحالة من الانهيار الاقتصادى، وبالعكس سارت الأمور كما يقول الكتاب الاقتصادى فقفز سعر تبادل الجنيه مع الدولار فى اليوم الأول لكى يصل الى سقف 18 جنيها، وبعدها بدأ فى الهبوط التدريجى حتى دار حول 15 جنيها بعد أسبوع، ومعها دخل ملياران وستمائة مليون دولار الى خزانات البنوك المصرية. عادت مصر تدريجيا إلى الحالة الطبيعية التى ارتفعت فيها الأسعار ثم عادت الى الاعتدال، وفى كل الأحوال كان المصريون يعرفون مسبقا بما يحدث فى الأسواق. ولم يكن كل أمر من أمور الحياة فى تمامه، ولكن الحياة فى مجملها كانت تتوازن إما بفعل حركة السوق واستجابته، أو بفعل تحركات تقوم بها الدولة ومؤسساتها خاصة القوات المسلحة، وفى عيون العالم لم يختلف أحد على النجاح فى مصر، وجاءت الثقة فى الاقتصاد المصرى فى شكل تنفيذ صندوق النقد الدولى لالتزاماته، وكذلك فعل البنك الدولى، وظهر من سلوكيات دول عديدة أن هناك أسبابا كافية للثقة فى أن المصريين يقومون بما يجب عليهم القيام به فى النهاية.
فى مصر استمر المتشائمون فى مسارهم ولكن مع أصوات أكثر خفوتا، وربما انتظار أنه مادام أن التغيير لا يزال فى أوله، فإن الكوارث لابد آتية لا ريب فيها فيما لحق من أيام، أما المتفائلون الواثقون فى حركة الاقتصاد ومسارات اقتصاد السوق وقدراته على تعديل الأوضاع، فقد كان تفاؤلهم يصل الى أن يكون ما جرى مجرد بداية لما يجب عليه الإصلاح، ومن بعدها تأتى بقية الخطوات لتشجيع الاستثمار، وتسهيل ممارسة الأعمال، ومع هذا وذاك نزع السخونة عن المناخ السياسى المصرى. ولكن فاقدى الثقة فى الإدارة المصرية الحالية طرحوا قضية جوهرية عما إذا كان الإصلاح الجارى سوف يقود الى نتائج إيجابية خاصة أن الحكومة حصلت على الحسنيين: تنفيذ ما تراه من خطوات مطلوبة لوضع الاقتصاد فى نصابه، والحصول على التجاوب الشعبى مع هذه الخطوات وإبداء الاستعداد لتحملها، ولخص الأستاذ إبراهيم عيسى الموقف فى برنامجه يوم الأربعاء فى شكل تساؤل مفتوح الإجابات حول ما الذى سوف تفعله هذه الحالة الإيجابية التى حصلت عليها الحكومة فى الواقع المصرى. مثل هذا الطرح لو أخذ على استقامته ربما يفتح الباب لتوقعات كثيرة فيها من المغالاة ما يضمن الإحباط بعد ذلك أيا كانت النتائج. ومع ذلك فإنه يكون مشروعا السؤال: كيف نعرف أن الحكومة نجحت، وكيف نعرف أن الإجراءات التى اتخذتها الحكومة أخيرا سوف تأخذنا الى بر الأمان أو الى الانطلاق الاقتصادى؟.
الإجابة هى أن هناك حزمة من المعايير التى يمكن قياسها كميا مثل سعر العملة واستقراره، وارتفاع حجم الإيداعات النقدية فى البنوك، وارتفاع معدل النمو الاقتصادى خلال الأرباع المقبلة من العام المقبل، وانخفاض البطالة والتضخم، وعجز الموازنة العامة، والعجز فى الميزان التجارى وميزان المدفوعات. بشكل ما هذه هى الحزمة التقليدية للحكم على المدى الذى وصل اليه الإصلاح الاقتصادى، أو سياسات اقتصادية بعينها فى بلد من البلدان. ولكن هناك حزمة أخرى لا تقل أهمية عن الأولى وهى المتعلقة بالمدى الذى تصل اليه تنافسية الاقتصاد على المستوى العالمى، ومدى اشتراك المواطنين فى إدارة الثروة القومية، بحيث لا يكون فقط للمواطن نصيب من العائد، وإنما دور فى تنميتها.. ببساطة فى هذه الحالة فإن أحدا لن يتساءل عن الكم الموجه للدعم ولأى عدد من المواطنين، وإنما عن انخفاض حجم الدعم لأن عددا كبيرا من الفقراء خرج من دائرة الفقر وانضم الى دائرة الستر. وفوق ذلك توجد حزمة ثالثة ينبغى ألا يغفل عنها أحد، لا فى الحكم، ولا فى المعارضة، ولا بين الأهالى فى العموم.
فعملية الإصلاح الاقتصادى التى جرت قامت على معادلة بيننا وبين العالم. على جانب منها يعطينا العالم (أى الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات المالية الدولية) من القروض ما يكفى للتوازن الاقتصادى، ومنع العملة الوطنية من الانهيار، مع دفعة للسير فى الطريق السليم، ومقابل ذلك أن نمضى قدما على طريق إصلاح الاقتصاد ليس وفقا للتقاليد التى اعتدنا عليها، وإنما وفقا لما عرفه العالم من أعراف وقواعد تعودنا على اعتبارها من عمل الشيطان.
المسألة إذن ليست غامضة، ولا هى من الأسرار الكونية، ولا فيها من الشيطان مس، بل إنه من الممكن أن نعرف عما اذا كنا نسير فى سكة السلامة، أو الأخرى للندامة، أو الثالثة التى لا يعود منها أحد. المهم أن نعرف كيف نتغير يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، وفى أثناء ذلك ننظر فى أوراقنا ونعرف الى أى مدى نسير على درب تلك الخطة القومية التى عرفناها باسم «مصر 2030» وعما إذا كان ما نفعله اليوم هو خطوة على طريق الوصول الى الحالة التى تصورناها عام 2020 على سبيل المثال.
المهم أن تبقى العيون دائما مفتوحة لنرى ونتابع، ونعرف جيدا متى ننجح؟