الأهرام
عماد رحيم
فن صناعة الأزمات!
فى خضم المعاناة اليومية التى نعيشها بسبب الوضع الاقتصادى الراهن، تصارعنا الأزمات بشكل متوال كى نعيش فى رحاياها، مصدرة لنا الاستفزاز بكل درجاته،
بعضها تصنعها جماعات ما أنزل الله بها من سلطان تضمر الشر بكل أشكاله لمصر، والبعض الآخر للأسف تتسبب به الحكومة بأداءات محيرة تحتاج فى كثير من الوقت لتفسير منطقى، وبينهما يجىء المتفننون فى تعكير الرأى العام، ليقدموا خدمات جليلة للمجموعة الأولى، ولأنى لا أعلم نواياهم، يكون الحكم على أفعالهم فى إطار المنطق المقبول.

أبدأ بطرح النموذج التالى الخاص بتصريح د.منى مينا وكيلة نقابة الأطباء حول صدور تعليمات من الحكومة باستعمال «السرنجة» أكثر من مرة وهو ما يخالف كل أنواع المنطق الموجودة على أرض المحروسة لأسباب عديدة أفاض فى شرحها الكثيرون، ولكنى اتوقف عند نقطة غاية فى الأهمية هى انعدام ثقة د.منى فى وزارة الصحة تماما، لدرجة تصديقها لرسالة من طبيب مجهول أسر إليها بالخبر، ثم التصريح به على العامة وكأنه خبر صحيح! دون النظر لنتائجه الكارثية، فهذا فعل مدمر، والأكثر دماراً، هو طريقة التعاطى الاعلامى والمجتمعى معه، بعد أن صدقه البعض، ولم لا، ووزير الصحة يخرج عبر وسائل الاعلام، ينفى بشكل قاطع أن هناك أزمة فى الدواء، رغم ما يعانيه الكثير من المستشفيات ولاسيما الخاصة من نقص شديد فى المحاليل، حتى تعلن غرفة صناعة الدواء أمس الأول، أن هناك نقصاً فى عدد 146 دواء مستوردا، يحتاجها كثيرون من المرضى، بعضهم مرضه خطير لا يمكن له انتظار الدواء!

فمن نصدق وزير الصحة، أم غرفة صناعة الدواء؟ وفى حال ثبوت نقص الأدوية، ما هو التصرف المطلوب صوب توفيرها، ولماذا تأخر اتخاذه حتى نفدت؟ ومن المسئول عن هذا النقص؟ هل هو العجز فى وجود الدولار؟ الذى أكد خبراؤنا المصرفيون وصول سعره لـ 12 جنيها بنهاية شهر نوفمبر، الذى يقترب من الرحيل و الدولار يواصل الارتفاع، ليتأكد المواطن أن تلك التصريحات المغلفة بألوان براقة تنتهى بواقع قاتم. ومن ثم يفقد الناس الثقة رويداً رويداً فى الحكومة، بسبب تصريحات غير مسئولة، ثم نلقى باللوم الشديد على من فقد ثقته، متغافلين عن أن طريقة معالجة الأزمة، هى من وتزيدها اشتعالاً فى بعض الأحايين.

النموذج الثانى، هو حادث المواطن مجدى مكين، الذى تم توجيه اتهام عبر كل شبكات التواصل الاجتماعى لضابط قسم الأميرية، بأنه سحله وعذبه وقتله، وأظهروا المرحوم ملاكا طاهرا، وألبسوا الضابط رداء المجرم المتلسط والمسنود بوالده، واغفلوا، أن مجدى مكين مسجل خطر، كما أغفلوا عن عمد توضيح، أن نجليه ملاك مجدى (27سنة) مدان فى جنحة آداب فى 2010، وجنحتى مخدرات فى 2014 و2015 ، بخلاف حكم بالحبس شهر فى 2011 بسبب لعب القمار، أما نجله الثانى ميلاد (22 سنة) محكوم عليه بالسجن فى جناية مخدرات فى2012، اذن هى اسرة غير سوية، أما المفاجأة فى التقرير الطبى المبدئى الموقع على مجدى ملاك، والذى يخلص بـوصول المتوفى جثة هامدة، فوجد خدوش على الجانب الأيمن من الرقبة، وجروح بسيطة فوق العين اليمنى، وخدوش على الساق اليسرى قديمة. بما ينفى تهمة السحل تماما، ولكن لا ينفى تهم الاعتداء عليه، ونشر تلك المعلومات ليس الغرض منه الدفاع عن الضابط الذى يخضع للتحقيق بمعرفة النيابة العامة، فليس هناك أحد فوق القانون، مثله مثل القاضى الذى ضبط متلبسا بـ 68 كيلو حشيش، وتم القبض عليه وإحالته للتحقيق، وحاول المغرضون تسريب اخبار حول الافراج عنه، مع أن الحقيقة أنه مازال رهن التحقيق، ولكن الهدف هنا توضيح الحقائق كاملة، بعد أن حاولوا إثارة البلبلة بين الناس واللعب على وتر الطائفية، ولا مانع من إحراج الكنيسة التى تثبت دوما عراقتها وأصالتها وذودها عن أبنائها المخلصين، وذلك من خلال تصويرها فى موضع المهادنة للسلطة على حساب المسيحيين! وهو ما لم يحدث، فكل ذلك يصب فى بوتقة الفتنة المؤججة لها شرذمة تجاهد لتكسير بنيان البلد!

أما النموذج الأخير فهو ما يتعلق بسهام النقد التى أطلقها البعض اخيرا على رأسه أشد أنواع السموم صوب اتحاد الاذاعة والتليفزيون، ساخرة من هذا المبنى العتيق الذى حمل رايات التنوير لكل من يتحدث بلغة الضاد فى كل أرجاء العالم، أحد أهم أدوات القوة الناعمة لمصر منذ نشأته، اليوم تخرج الدعوات لهدمه، مستنكرة وجود ما يقارب الـ 45 الفا من العاملين به، ومتهكمة على عدد قنواته الكثيرة، محاولة تصدير صورة ذهنية سيئة عنه وعن العاملين به، وأنهم بلا فائدة.

كل ذلك من أجل أن يستحوذ الاعلام الخاص على القمة منفرداً، يعزف كما يشاء، ويشكل وجدان المصريين وفق رؤيته الخاصة، والدولة تترك له الساحة خاوية دون أن تتحرك بالكيفية اللازمة نحو تطوير هذا الجهاز الاعلامى العريق.

إننا نتفنن فى صناعة الأزمات، بطريقة أضحت تثير الدهشة، خاصة أن الحكومة المنوط بها العلاج، تنزلق قدمها أحياناً فى تفعيلها، وصار واجباً عليها التعامل بحرفية وبمهنية تحترم عقلية المواطن والوطن ومقدراته. وأعتقد أن أولى خطوات الحل، هى استعادة الاعلام القومى قامته مرة أخرى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف