(1)
كانت السيدة الفاضلة سعاد إبراهيم والدة المواطن عبد الفتاح السيسي تدعو له قائلة: «روح يا ابني ربنا يوقف لك ولاد الحلال، وينصرك على مين يعاديك، ويكفيك شر حاكم ظالم»، ولم تكن الأم الطيبة تعرف أن ابنها المنطوي سيكون هو نفسه الحاكم الذي تدعو الأمهات لأولادهن بأن يكفيهم شره.
(2)
القائد الذي غازل الشعب بمن “يحنو ويعتني”، تعامل بدم بارد مع كل من يخالفه، وسار عكس مطلب الحرية الذي ثار الشعب من أجله، واستخدم القانون كمطية لتبريره حكمه بالقمع والردع والترهيب، وفي عهده القصير كحاكم تم حبس نقيب الصحفيين وعضوين من مجلس النقابة، وقبلهم تم عزل ومحاكمة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، ومقاضاة وكيلة نقابة الأطباء، وحبس آلاف الشباب بتهمة التظاهر، مع أن التظاهر كان في مقدمة الأساليب التي حرض عليها السيسي حتى أوصلته إلى الحكم والتحكم في مقاليد الأمور، ثم طلب من الجميع الصمت ليسمعوه هو وفقط.
(3)
قبل سنوات، عندما تبجح وزير الإسكان الأسبق محمد إبراهيم سليمان، وحصل على حكم قضائي بحبس ثلاثة من الزملاء الصحفيين، كان الأمر مستهجناً ووضع الحكومة والسلطة كلها في موقف حرج، وحينها كتبت مقالاً أسميته بالمقال الانتحاري، لأنني استخدمت فيه عبارات هجومية صريحة تصل إلى السب والتجريح ضد الوزير المقرب من “شلة الهانم” ونجلها جمال الطامح لوراثة كرسي أبيه، ونُشر المقال في صحيفة “الدستور” بعنوان: “تعليم الحمار الغناء أسهل من تعليم الديموقراطية لهذه الحكومة”، ولم يجرؤ سليمان على مقاضاتي ولا مقاضاة زملاء آخرين هاجموه بعنف، لأن الإقدام على حبس صحفي في قضية رأي (حتى لو أخطأ في لغته وفي توجيه الاتهامات) تعد مؤشرا على تراجع الحريات السياسية في الدولة، وتضعها في موقع الإدانة والاستنكار أمام المجتمع الدولي، وأظنكم تذكرون أن مبارك نفسه أصدر قرارا بالعفو عن ابراهيم عيسى بعد الحكم عليه بالسجن بعد نشر أخبار اعتبرتها المحكمة كاذبة في قضية مرض مبارك واختفاءه، مما دفع عيسى وعدد آخر من الصحفيين للتكهن بوفاة مبارك، ونشر هذه التكهنات كوسيلة للضغط على السلطة للتعامل بشفافية، وكشف سر اختفاء مبارك.
(4)
اليوم، تتجرأ السلطة على التمادي في القمع، وتتخذ خطوة غبية باقتحام نقابة الصحفيين، ثم توجيه اتهام للنقيب واثنين من أعضاء المجلس بالتستر وإيواء صحفي مطلوب للتحقيق، ولم تثبت عليه تهمة حتى الآن، بينما يتم الحكم على النقيب وزميليه بالحبس والغرامة، لتتصاعد سلسلة الأساليب المفضوحة اتخذتها السلطة ضمن حزمة تشريعات وقرارات لتكميم صوت المعارضة، وتقييد الحريات.
وبناء عليه، فلا مجال لحوار أو نقاش مع سلطة تستخدم ذرائع شكلية لهدم جوهر القانون، ووضعه في موضع مواجهة وتعارض مع الحريات، والقوانين الخاصة بتنظيم العمل النقابي، وبالمواءمات الأمنية والسياسية أيضا، التي تدل على مدى لياقة النظام في الفهم، أو تعالمه بالقوة الغشيمة البعيدة عن أي حكمة وتعقل، وهو ما يبدو في حجم التعدي على حرية الرأي والتعبير، وفي عدد الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية بحق المعتقلين والمحتجزين، والتعذيب الوحشي الذي أدى إلى أكثر من حالة وفاة لمواطنين في أقسام الشرطة، كما أدى إلى قتل متظاهرين ومواطنين مسالمين في الشوارع، بالرصاص الميري الذي يجب أن يحمي المواطن ولا يقتله.
(5)
لهذا، ولأكثر من هذا مما لا يتسع له المقال، أقول أن النظام الذي يتستر على الفساد ويأوي الفساد، هو الذي تجب محاكمته وحبس الفاسدين والمتواطئين (وهم كُثُرُ)، وأقول أن النظام الذي اقتحم نقابة لها مكانتها وحصانتها، هو الذي يجب محاسبته، والنظام الذي يرهب ويروع الدكتورة منى مينا، لمجرد تصفية الدور المهني والوطني الشريف، والانتقام من المواقف السابقة التي دافعت فيها عن كرامة أعضاء نقابتها، هو نظام لا يعرف معنى الكرامة، ولا المهنية ولا الوطنية، ويجب أن يصحح نفسه، أو يرحل، وأقول أن النظام الذي يحبس زهور الوطن ويُجَرِّم حقوقهم في التعبير عن آرائهم ومواقفهم، هو نظام قهر يتعارض مع العصر ومع المستقبل، وأقول أن النظام الذي عزل الرقيب على الفساد، هو نظام فاسد، ولا بد من محاكمته، وإذا لم نستطع اليوم، سنقدر غداً، وحينها سيكون الثمن أفدح.
(6)
احبس قلاش والبلشى وعبد الرحيم
احبس جنينة ومنى مينا
احبس صوت وقلب الوطن
#احبس_يا_نظام_جبان
مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟