المساء
مؤمن الهباء
مجلس تسيير الأعمال
صحيح أن مجلس النواب متهم بأنه يعمل من أجل الحكومة أكثر مما يعمل من أجل الشعب.. وبأنه ينظر إلي مصالح أعضائه أكثر مما ينظر إلي مشاكل الناس.. وبأنه صار مقطوع اللسان منذ أن وافق علي منع إذاعة جلساته علي الهواء.. لكن رغم كل ذلك فإن وجود هذا المجلس أفضل من عدمه.. لأننا علي الأقل نعرف من خلال الأخبار القليلة التي تأتي من داخله بعضاً مما خفي علينا من قرارات حكومية مؤثرة أريد لها أن تظل في طي الكتمان.
علي سبيل المثال.. قدم عضو المجلس ضياء الدين داود طلب إحاطة بشأن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2992 لسنة 2016 بإلغاء دور جهات الرقابة الوطنية المتمثلة في الحجر الزراعي في فحص السلع الغذائية الاستراتيجية المستوردة.. وأهمها بالطبع القمح والأعلاف والبذور والمبيدات.
هل عرف أحد شيئاً عن قرار رئيس مجلس الوزراء هذا رغم خطورته؟!.. هل نشرته الصحف وهل ناقشته البرامج الإعلامية التي تطرح علينا كل ما هو غث وتافه ومضلل؟!
القرار لم ينشر إلا في الجريدة الرسمية بتاريخ 13 نوفمبر ..2016 وهي جريدة لا يقرأها أحد.. ولا يخطر في بال أي مواطن أن يقتنيها ليعرف من خلالها قرارات الحكومة "الرسمية".
وقد جاء في طلب الاحاطة المقدم من النائب داود أن القرار الحكومي يعرض البلاد لخطر توطن آفات وأمراض نباتية.. حيث تضمن في المادة الثالثة منه أن تختص الهيئة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات وحدها ـ دون غيرها ـ بفحص الرسائل المستوردة من السلع الزراعية الاستراتيجية مثل حبوب القمح والذرة المستخدمة في صناعة الأعلاف وبذور فول الصويا التي كانت تخضع لسلطات هيئة الحجر الزراعي.. كما سمح للهيئة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات بأن تتعاقد سنوياً مع شركات المراجعة والتفتيش الدولية لإجراء الفحص المسبق في بلد الشحن.
أظن أنه من حقنا كشعب سوف يستهلك السلع الزراعية الاستراتيجية الآتية من الخارج أن تعرف دواعي صدور هذا القرار الحكومي بإلغاء الحجر الزراعي.. بمعني الأسباب التي من أجلها أصدر رئيس الوزراء القرار.. ونتائجه.. ومن المستفيد منه.. وهل للقرار علاقة بصفقات القمح الملوث بفطر الأرجوت التي رفضتها وزارة الزراعة ثم قبلتها؟!
هناك قضية أخري يتصدي لها عدد من النواب تقدموا بطلبات إحاطة لوزير الصحة عن أزمة نقص الأدوية.. وقد ذكروا في طلباتهم أن الوزير تعهد بحل الأزمة عبر وسائل الإعلام أكثر من مرة مؤكداً أن لديه خطة لذلك.. لكن الواضح أن الحكومة لا تملك حلولاً حقيقية لهذه الأزمة لأنها ليست وليدة اليوم.. لكنها تصاعدت عقب قرار تعويم الجنيه.. وكل تصريحات وزير الصحة والمتحدث باسم الوزارة مخالفة للواقع الذي نعيشه.. فهناك فوضي حقيقية في أسعار الدواء.. والحكومة لا تتدخل للقيام بدورها الرقابي علي الصيدليات أو مواجهة مصانع الأدوية وتحديداً غرفة صناعة الدواء.. وهي المتحكم الأكبر في صناعة الأدوية في مصر.. والحكومة شريكة مع غرفة صناعة الدواء في الأزمة الحالية.
أعرف.. وتعرفون جميعاً أن طلبات الإحاطة لا تهز شعرة في رأس الحكومة.. وأعرف وتعرفون جميعاً أن مجلس النواب بقضه وقضيضه لا يشكل خطراً علي الحكومة من أي طريق.. لكن يكفينا أنه يكشف لنا أشياء أريد لها أن تظل في طي الكتمان.
يقول أكمل قرطام رئيس حزب المحافظين الذي أعلن استقالته من مجلس النواب في حوار نشرته صحيفة "الشروق" يوم الأربعاء الماضي: "لا مفر من الاعتراف بأن البرلمان الحالي أصبح مجلس تسيير أعمال لا يتمتع بالاستقلال الكافي.. وذلك يسري علي الجميع سواء كانوا نواباً معارضين أو موالين أو مستقلين.. انه أعجز من أن يؤسس لدولة حديثة وأضعف من أن يحقق الآمال المعقودة عليه".
ورغم ذلك أقول كما قلت في البداية إن وجوده أفضل من عدمه.. لأنه علي الأقل يكشف لنا بعضاً مما خفي علينا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف