أصبحت نصف الحقيقة هي اللغة المعتمدة في حياتنا.. نسمع شائعة ولا نتحقق منها ونبدأ بمحاكمة الآخرين علي أنها حقيقة ننصب لهم المشانق.. وندق أجراس الفضيحة.. ونمضغ سمعتهم.. ونخوض في الأعراض.. ونسينا درس "ولا تقربوا الصلاة".. وتناسينا مبدأ "إن جاءكم فاسق بنبأ".
الأمثلة كثيرة ومتكررة يومياً.. منها قصة الأم التي رمت طفلاتها الثلاث أمام دار الأيتام.. صلبناها بألسنتنا وأقمنا لها المحاكم ووصمناها بأبشع الصفات واتضح أنها مطلقة والطفلات الثلاث مصابات بمرض نادر ولا تستطيع مجرد توفير الأكل لهم وليس العلاج ودقت كل الأبواب ولم ينجدها أحد ولم تجد أمامها سوي أن تضعهم أمام دار الأيتام لعلها تكون المنقذ.
قصة الشواذ في الحمام الشعبي في السبتية.. جرينا وراء الإعلام المسعور.. وخرجت التعليقات والأحكام المسبقة وعندما أصدر القضاء الحكم بالبراءة.. لم نهتم كثيراً بأننا قتلنا هؤلاء قبل أن نعرف الحقيقة.. وكانت النتيجة أن أحد المتهمين انتحر والباقون يعيشون خلف أبواب مغلقة يخافون مواجهة الناس التي وصمتهم بالشذوذ دون أن تنتظر حكم القضاء.
قصة الكلب الذي أعدموه .. قلنا إنهم مجانين ومختلون وليس لهم قلب ولا ضمير.. ولم نسمع بقية الحقيقة أن هذا الكلب مسعور وكان صاحبه يستخدمه في الإرهاب وأعمال البلطجة.
قصة شريف الشوباشي الذي دعا إلي مليونية لخلع الحجاب.. واتضح أن كل ما قاله إن من حق من لا تريد إرتداء الحجاب أن تخلعه وليس من حقنا أن نحاكمها لأننا بذلك ننصب أنفسنا آلهة.
القصص كثيرة ومتكررة يومياً ونحن نرتكب نفس الجريمة في اليوم عشرات المرات.. الإعلام المسعور يكتفي بذكر نصف الحقيقة.. المغرضون علي الفيس بوك يكتفون بنصف الحقيقة.. برامج التليفزيون التي يقدمها هواة ومتلونون تكتفي بنصف الحقيقة.. الجرائد التي تبحث عن موقع علي الخريطة تكتفي بنصف الحقيقة.
كل هؤلاء يتحملون نصف الذنب.. ونحن نتحمل النصف الآخر من الذنب لأننا نكتفي بنصف الحقيقة ولا نتأكد من المعلومة كاملة ونسينا درس "ولا تقربوا الصلاة" وتناسينا مبدأ "إن جاءكم فاسق بنبأ".