الأهرام
محمد ابو الفضل
حركـة «فتــــح» على المحك الصعب
لا أحد ينكر أن حركة «فتح» لعبت دورا مهما فى النضال الفلسطينى ضد الاحتلال الإسرائيلي، وترك العديد من قياداتها بصماتهم الناصعة، سياسيا وعسكريا، حتى أصبحت حتى وقت قريب القضية الفلسطينية بمثابة الأم فى المنطقة، وساد اعتقاد أن تسويتها بطريقة عادلة كفيل بإطفاء الكثير من الحرائق الإقليمية، وعدم حلها يؤدى إلى مزيد من التوترات والصراعات.
هذه الثنائية، أخذت تتراجع، فى ظل تراكم المشكلات وتزايد الحروب والنزاعات، وتصاعد طموحات أو احباطات قوى مختلفة، ولم تعد فى حسابات البعض الآن القضية الفلسطينية محورية، وتستحق بذل الجهود، والبحث عن مخرج مناسب للحل، وهو ما يستلزم انتباه جميع الحركات والفصائل الفلسطينية، للعمل إعادتها إلى وضعها الصحيح، ضمن أولويات واهتمامات القوى الإقليمية والدولية المؤثرة.

وهو ما يدفع القيادات الوطنية إلى ضرورة التفاهم والتوافق حول رؤية محددة، تجمع الشمل، وتوقف نزيف الانقسام، والسعى بقوة نحو تحقيق مصالحة حقيقية، تجبر العالم على إعادة النظر فى سلم الأولويات، لأن غلبة التقديرات الشخصية، وتنحية المعارضين للقيادة الحالية لحركة فتح، وغيرها من الحركات الفاعلة، كفيل بأن يرسخ الانطباعات السلبية السائدة حيال هذه القضية، فإذا كانت القيادات مختلفة فكيف سيتم التفاهم معها، عندما يحين الوقت للتباحث والتفاوض حول المصير النهائي؟

الإجابة عن هذا السؤال مهمة، لأن هناك مجموعة من المتغيرات الإقليمية، تفرض التعامل بمزيد من الجدية، فى خضم حزمة من الأزمات المشتعلة، فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، وتحاول بعض الأطراف المتحكمة فى مفاصلها، إيجاد حلول لها، بما يقلل الخسائر أو يُعظم المكاسب، دون أن يأتى أحد من القوى الدولية، على ذكر القضية الفلسطينية.

وعندما حاولت فرنسا الاقتراب، جرى تفشيل محاولتها، وعدم التعامل معها بجدية، وعندما اقتربت روسيا أيضا، اخترعت بعض الأطراف حججا، لقطع الطريق عليها، ولم تسلم مصر، التى تحرص دوما على أن تكون هذه القضية متقدمة ضمن جدول أعمال المنطقة، من وضع عراقيل مصطنعة فى طريقها، كما أن اللجنة الرباعية، التى تضم السعودية والإمارات والأردن ومصر، تواجه مطبات أشد صعوبة، ممن هم مفترض أن يكونوا داعمين لها، فى حين لجأ هؤلاء إلى جهات معروف أنها تملك حسابات ضيقة، يمكن أن تغرق القضية فى بحر من الظلمات.

الحاصل أن مساحات الخداع أمام بعض الجهات سوف تتراجع خلال الفترة المقبلة، ولن يكون هناك مجال للمناورة والمساومة، بل كل الدوائر المعنية بالقضية أو غيرها، مطالبة بأن تكون مواقفها أكثر حسما وأشد وضوحا، ومحاولات اللعب على المتناقضات والخلافات بين بعض القوى سوف تصبح عديمة الفاعلية، فى ظل وجود إدارة جمهورية فى الولايات المتحدة، لا تلقى بالا لمن ينتقلون بسهولة من مربع لآخر، وأن المسألة سوف تكون أكثر صعوبة لسببين:

الأول - أن الرئيس دونالد ترامب تطرق إلى القضية الفلسطينية فى أثناء حملته الانتخابية، وكعادة القيادات اليمينية بدا منحازا لإسرائيل، ربما التصريحات التى تطلق قبل تولى السلطة فعلا تخيم عليها شعارات وصخب الحملة الانتخابية، وتبتعد قليلا عن الواقع، لكن فى النهاية لا أحد يخفى الدعم المتوقع لتل أبيب من قبل الرئيس الأمريكى الجديد، كما أن إدارة الرئيس باراك أوباما التى بدت أحيانا متعاطفة مع أوجاع الفلسطينيين لم تقدم لهم شيئا على مدى ثمانى سنوات، وربما العكس، فقد تمادت إسرائيل فى الانتهاكات، وتوسعت فى بناء المستوطنات، وأوجدت واقعا مؤلما، يضع العثرات أمام أى قيادة تحاول الاقتراب من عملية التسوية.

والسبب الثانى - أن المنطقة خلال المرحلة المقبلة من الواضح أنها سوف تكون محل اعتبار لدى الرئيس الأمريكي، ونقطة البداية الأزمة السورية، بعد أن أصبحت المدخل لحل كثير من الأزمات فى المنطقة، وهنا يمكن فهم أحد أسباب تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية.

وفى الوقت الذى يجب أن تسعى فيه القيادة الفلسطينية، برئاسة محمود عباس (أبومازن) للتعامل مع المستجدات بديناميكية، وتتحلى بدرجة أعلى من المسئولية، وتلملم الجراح الداخلية، وتتمسك بالغطاء العربي، الذى تمثله اللجنة الرباعية، نجدها تتشبث بمواقفها المتصلبة، وتتجاهل التطورات الإقليمية المتسارعة، وتصمم على الإمساك بزمام الأمور، وفقا لرؤية ناقصة، ثبت عجزها، وقادت إلى مشكلات، ضاعفت من حجم الهموم الفلسطينية.

الرئيس أبومازن، قرر عقد المؤتمر العام لفتح فى 29 نوفمبر الحالى، وترتيب أوضاع الحركة، بالطريقة التى تريحه، وتضمن له انتقالا مريحا للسلطة فى المستقبل (بعد عمر طويل)، وقد يحقق المؤتمر النتائج التى يصبو إليها، ويتمكن من الاحتفاظ بالخيوط الأساسية، لكنه حتما سوف يؤدى إلى مزيد من الانقسام داخل البيت الفلسطيني، فمعروف أن أحد عوامل صمود فتح، قدرة قيادتها السابقة، الراحل ياسر عرفات، على جمع الشمل الفلسطينى إلى حد بعيد، فكان يضع إلى جواره قيادات من فصائل مختلفة، سواء ضمن أطر منظمة التحرير أو خارجها.

وإذا كان الرئيس أبومازن غير قادر على تحمل انتقادات وغضب المختلفين معه، فهل يمكن أن يكون رحيما بمعارضيه من خارج فتح؟

لذلك، فالنتيجة التى سيخرج بها المؤتمر العام السابع للحركة، يمكن أن تكون منسجمة مع تطلعاته، لكن الدلالات العميقة والمعانى الدقيقة سوف تتجاوز هذا البعد، لأنها من المتوقع أن تخلف مرارات واحتقانات، قد يحتاج علاجها سنوات، فى زمن تمر فيه الساحة الفلسطينية بمتغيرات، يمكن أن ترخى بظلال قاتمة على كثير من المرتكزات والمفاصل الرئيسية، التى حاولت العناصر الوطنية عدم التفريط فيها، وهى فى خضم خلافات وصلت الى حد الصدامات.

كما أن الأجواء الرمادية التى تخيم على المنطقة لم تنظر بعين الاعتبار للقضية، والخلافات بين قياداتها لم تصل إلى درجة اللاعودة، فما بالنا لو دخلت هذا النفق؟ بالتالى مطلوب من الجميع أن يكونوا على قدر المسئولية، ولديهم دراية بالتحديات التى تمر بها المنطقة، وروافدها السلبية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف