محمد جبريل
ع البحري .. البطل في حياة المصريين
الثابت ـ تاريخيا ـ أن عنترة كان واحدا من الفرسان الذين يعتز بهم العرب في العصر الجاهلي. ثم أضاف الوجدان الشعبي الي سيرة حياته. فهو ذلك البطل الذي دافع عن حبه. وعن حقه في الحرية والمساواة. ولم يكن الهلالية ـ علي حد تعبير عبدالحميد يونس ـ سوي أهل شغب. قليلا ما يهدون. يقطعون الطريق علي السفر حجاجا وتجارا. ويكرهون النظام أيا كان مصدره. والسلب عندهم غنيمة مشروعة تقضي بها خلقيتهم ويقوم عليها مجتمعهم. بحيث صاروا خصوم الدولة النظامية الألداء. أما الظاهر بيبرس. فان بداية التحقق الفعلي لمكانته البطولية حين قتل قائده العظيم المظفر قطز. بعد أن دحر المغول في موقعة عين جالوت. وأما السيد البدوي. فثمة ظلال علي سيرة حياته. تخالف ما ألف الرواة الشعبيون ترديده عن تلك السيرة. وتقول سجلات الشرطة أن ابن عروس وأدهم الشرقاوي وياسين ومتولي وبهية وغيرهم من الذين وضعهم الوجدان الشعبي في مكانة متفوقة. قد ارتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي. كالقتل والسطو والخطف والزنا ومقاومة السلطة الخ.
فلماذا أسقط الوجدان الشعبي ما يشكل ـ في حياة هؤلاء ـ نقاط ضعف. أو سلبيات. وبتعبير آخر: كيف يصنع الوجدان الشعبي نموذجه البطولي؟
اذا كانت السيرة الشعبية تتناول ـ في الأغلب ـ بطلا تاريخيا حقيقيا. وأحداثا تاريخية حقيقية. فان الوجدان الشعبي قد أضاف الي الأبطال الحقيقيين. والأحداث التاريخية الحقيقية. بما أعاد تشكيل البطل. والحدث. علي الصورة التي يريدها. أو يتمناها. بل ان بعض الشخصيات التي قدمتها السير والحكايات الشعبية. يشك في وجودها. مثل المهلهل. وسيف بن ذي يزن. وذات الهمة. وحمزة البهلوان.
ولعلي أضيف الي القول بأن الامتداد التاريخي للبطولات الاسلامية يؤكد مدي انشغال الذاكرة الشعبية بالنموذج البطولي. الي درجة انها لم تكف عن انتاجه منذ عصر الرسول حتي العصر المملوكي.
كانت سيرة الرسول صلي الله عليه وسلم هي البداية لكل السير التي تحمل بطولات اطارها العقيدة الاسلامية. بل لقد تواصلت سير العصر الجاهلي الي ما بعد ظهور الاسلام بفترة طويلة. فقد امتدت سيرة الأميرة ذات الهمة الي الحروب العربية الرومية. ومع أن سيف بن ذي يزن ملك يماني جاهلي. فان الوجدان الشعبي جعله مدافعا عن الاسلام. ناشرا له. بدأ بالارهاص للنبي. والتنبؤ بميلاده. والقبيلة التي ينتمي اليها. والمنطقة التي يظهر فيها. ثم حارب دفاعا عن الدين الجديد عقب ظهوره. أما عنترة بن شداد. فهو ينتمي ـ بالتاريخ ـ الي الجاهلية. لكن الوجدان الشعبي أطال في عمره. وجعله مسلما يطهر الأرض من شرك الجاهلين. ومن أفعالهم الشريرة. حتي يمهد لظهور النبي صلي الله عليه وسلم. بل ان عنترة أشهر اسلامه بعد ظهور النبي. وحارب الي جانب الرسول ضد يهود خيبر. وظل حيا في حياة أبنائه وأحفاده. يشاركهم الحروب والفتوحات لصالح دولة الاسلام. حتي الصين وصل اليها. ولم يرحل عن دنيا الا أيام الحروب الصليبية. منحه القيصر جارية اسمها مريم. ثم مات علي ملة الاسلام.