الأهرام
ابراهيم حجازى
قريبــًا.. تُسْمَــعْ ولا تُكـْتَــب!.
>> تحت عنوان «الإنسان ومن يحتكرون حقوقه!».. كتبت هذه المساحة الأسبوع الماضى.. مقدمًا من خلالها فكرة إلى منظمات المجتمع المدنى الحقوقية.. وانتظرت أن يأتى ردٌ من أى منظمة يحمل استجابة للفكرة أو يطلب توضيحًا أو حتى رفضًا لها.. وللأسف لم يحدث وأغلب ظنى لن يحدث.. لأننى فيما يبدو أخطأت العنوان عندما اعتقدت أن المنظمات الحقوقية فى مصر معنية بحقوق الإنسان.. وبناء على هذا الاعتقاد طرحت فكرة أن تهتم هذه المنظمات بحق مهم من حقوق الإنسان.. مثل حقه فى تعليم أفضل ينعكس على فرص عمل أفضل.. والعمل الأفضل يوفر مستوى معيشة أفضل...

وقبل أن يقول قائل: التعليم مسئولية الدولة وتدهور التعليم أمر تُسأَلُ عنه الدولة.. وأنا موافق على هذا الرأى مع إضافة صغيرة.. وهى أن التعليم أصبح أزمة مستحكمة نتيجة تراكم مشكلات متروكة بلا حلول سنين طويلة.. وعلينا أن نملك شجاعة مواجهتها.. حكومة وشعبًا..!. والحكومة الموجودة بريئة من هذه المشكلات لأنها وقت حدوثها وتراكمها.. كانت الحكومة الحالية وقتها فى صفوف الشعب لا صفوف الحكم!. الأهم أنها الآن مسئولة وعلى كل مصرى دور فى مساعدتها!.

إذن الدولة مسئوليتها إيجاد حلول والمجتمع.. أفراد ومنظمات عليه أدوار.. ومن هذا المنطلق طرحت فكرة أن يكون للمنظمات دور عملى تطبيقى على الأرض.. لأن سياسة الندوات والمحاضرات وحدوتة التثقيف وما شابه.. لم تأت بنتيجة على أرض الواقع.. وهذا ما جعلنى أتقدم بفكرة أن تتضافر جهود منظماتنا الحقوقية لأجل إنشاء مدرسة بمواصفات خاصة فى كل محافظة.. مدرسة تضم المراحل التعليمية الثلاث.. الابتدائى والإعدادى والثانوى.. بحجم 24 فصلًا وبواقع فصلين لكل سنة دراسية.

أهم اشتراطات هذه المدرسة أن كثافة الفصول من 20 إلى 25 طالبًا فى الفصل فقط.. لإعطاء الفرصة للمُعلِّم أن يُعَلِّم وللطالب أن يتعلم!.

الشرط التالى مباشرة للقبول فى هذه المدرسة.. أن يكون طلابها من الأسر التى لا يزيد أبناؤها على ثلاثة فقط!. ليه؟.

مكافأة للأب والأم اللذين قررا تنظيم أسرتهما وتعظيم دخلهما بتنظيم أسرتهما.. وأقل مكافأة هى توفير أفضل تعليم لأبنائهما.. سواء كانوا طفلا أو اثنين أو حتى ثلاثة!.

لو أن المنظمات الحقوقية أنفقت التمويلات التى تمنح لها.. فى مشروع مثل هذا.. وقدمت للدولة وللشعب مدرسة نموذجًا فى كل محافظة!. نموذج فى كثافة الفصول. نموذج فى الأنشطة التربوية التى تعيدها للمدرسة المصرية. نموذج فى إدارة مختلفة مثل التى هى موجودة فى مدرسة حكومية ثانوية للبنات اسمها مدرسة أم المؤمنين فى حلوان.. إدارة ولا أحسن مدرسة أجنبية!. إدارة جعلت لأولياء الأمور دورًا.. وعندما يشعر ولى الأمر بأن المطلوب لمصلحة أبنائه.. يصبح أول من يشارك وأول من يجعل الحلم حقيقة.. والمدرسة الحكومية هى الوحيدة التى يوجد بكل فصل بها السبورة الذكية.. أو الشاشة التليفزيونية.. التى غيرت مفاهيم بها مثلًا.. أصبحت كل طالبة تقوم بتجهيز ما عليها من محاضرات الغد.. وليس حصص الغد التقليدية المملة الغبية!. الطالبة تذهب للمدرسة ومعها «فلاشة» بالمعلومات التى بحثت عنها واستخرجتها وقامت بتحضيرها على «فلاشة» لتقوم بعرضها وشرحها لزميلاتها!.

مدرسة حكومية نقلت نفسها بنفسها وبأفكارها وبمديرها وكل أساتذتها وكل أولياء أمورها.. نقلت نفسها إلى مكان ومكانة مختلفة جذريًا عما هو معمول به.. ولذلك فإن هذه المدرسة الحكومية لها أكثر من مكان فى أوائل الثانوية العامة كل سنة!.

أى منظمة حقوقية بإمكانها أن تصنع الأفضل.. لأن التعليم الأفضل حق من حقوق الإنسان.. ولأنها تملك الكوادر البشرية المؤهلة لخلق نقلة حقيقية وتقديم مدرسة تكون النموذج الأفضل للعملية التعليمية!.

عندما نتكلم عن مدرسة فى كل محافظة قوامها 24 فصلًا بخلاف الملاعب وغرف الأنشطة التربوية!. الحكومة تقدم الأرض بالمجان.. تكلفة المبانى والتجهيزات فى مقدور أى جمعية.. لأن الـ 100 ألف دولار بمليون ونصف المليون الجنيه!. يعنى 300 ألف دولار تقدم لنا مدرسة رائعة!.

لأن المنظمة الحقوقية هى التى ستدير.. بإمكانها التعاقد مع المعلمين والإداريين بعقود خاصة مميزة.. جزء كبير منها تغطية المصروفات.. وأى ولى أمر على استعداد لأن يدفع 2000 جنيه مصروفات بدلًا من مصروفات الحكومة الأقل من 100 جنيه ومقابلها يدفع دروسًا خصوصية فوق الـ 500 جنيه شهريًا!. ولى الأمر أفضل له يدفع 2000 جنيه مصروفات على أقساط.. مقابل فصل كثافته 25 طالبًا!. مقابل تعليم بجد!. مقابل انتهاء عصر الدروس الخصوصية!.

المنظمة الحقوقية بإمكانها أن تشرك مجلسًا من أولياء الأمور فى إدارة المدرسة.. ولأن الهدف تعليم أفضل بمصروفات أقل.. باعتبار أن مشروع المدرسة ليس الهدف منه الربح ولا يجب أن يكون فيه ربح.. لأن المكسب الحقيقى الذى بالإمكان تحقيقه.. إعادة هرم التعليم المقلوب إلى وضعه الصحيح!.

هاهى مدرسة نموذج للأفضل فى كل شىء.. هدفها إثبات أن إصلاح التعليم ممكن ومقدور عليه!. هدفها أن تعرّف الحكومة يقينًا.. أن الدولة أخطأت فى الماضى عندما تركت أهم مجالين للقطاع الخاص.. وأقصد التعليم والصحة!. أنا لا أنكر أنه لولا القطاع الخاص لوقعت كوارث لا كارثة.. لكن أيضًا لا أنسى ولا أغفل.. أن غالبية القطاع الخاص فى المجالين.. تعاملوا ومازالوا مع المسألة على أنها أفضل وأسرع وسيلة للحصول على فلوس «بالهبل».. وانسوا المعايير الأخلاقية والمهنية وأى معايير!.

أؤكد أن هذا ما تفعله الغالبية.. ومعنى ذلك أن هناك قطاعًا خاصًا محترمًا يراعى الله فيمن يعلمه أو يعالجه!.

لكل هذه الأسباب اعتقدت وأنا أقدم الفكرة التى طرحتها.. أن أفضل من يعين الدولة فى تلبية احتياجات الإنسان وحقوق الإنسان.. هى منظمات حقوق الإنسان!.

اعتقدت أنها بما تملك من تمويل أجنبى بعملات صعبة.. وبما تمتلك من كوادر بشرية همها الأول حقوق الإنسان.. اعتقدت أنها المؤهلة لوضع حجر أساس إصلاح التعليم فى مصر.. باعتباره واحدًا من الحقوق الأهم لأى إنسان فى أى مكان!.

اعتقدت ذلك لمعرفتى بأن منظمات المجتمع المدنى فى كل العالم.. موجودة لتقديم العون والمساعدة للمجتمع فيما ينقصه بالتنسيق مع الحكومات!. عندما يكون التعليم الأفضل بعيد المنال لمشكلات كثيرة.. هنا دور منظمات المجتمع المدنى فى معاونة الحكومة.. ولن أقول أنها بإمكانها حل المشكلة.. لكن بمقدورها تقديم النموذج الأفضل لما يجب أن يكون عليه الحل.. ووقتها يكون هو المقياس الذى تبدأ منه الحكومة الحل!.

بكل أسف علىّ الاعتراف.. بأن كل ما اعتقدته لم يكن فى مكانه.. لأننى من البداية أخطأت العنوان.. عندما اعتقدت أن الجمعيات الحقوقية فى مصر.. معنية بكل حقوق الإنسان!.

...................................................

>> الطريق مهما يكن طويلًا.. يبدأ بخطوة وينتهى بمثلها.. والأهم أن تحدث الأولى لأجل أن نرى الأخيرة!.

كلنا يعرف وأغلبنا ينسى أو يحب أن ينسى.. أنه ما من مجال فى حياتنا.. إلا وفيه مشكلات متروكة بلا حل أو حتى التفكير فى الحل من سنين طويلة بما يعنى .. أن ما كان سهلا بات معقدًا!.

من هذا المنطلق علينا أن نتحمل بعضنا البعض.. حتى نخطو أول خطوة على أى طريق إصلاح.. وهذا ما تم فعلًا فى مجالات عديدة.. يمكن القول عنها بكل ثقة.. إن الخطوة الأخيرة أصبحنا على مقربة منها فى الكثير من المشروعات التى كانت همًا فى النهار ونكدًا فى الليل.. والكهرباء أقرب مثال لأعقد مشكلة.. وكيف لا تكون كذلك وأى حل أشبه بالمستحيل!.

مصر كانت فى مواجهة كارثة تقول إن معدل استهلاك الكهرباء.. أكبر من معدل إنتاج الكهرباء!. المسألة لو كانت قريبة.. كان يمكن تحملها إلى أن نجد حلولًا!. الحكاية.. استهلاكنا أضعاف إنتاجنا.. والمسكنات والتباديل والمناورات وأى أفكار.. كانت نهايتها نتيجة واحدة ولا شىء غيرها!. مصر ستعيش نصف وقتها فى ظلام مع أول صيف قادم!.

قبل أن يأتى الصيف.. كانت أكثر من خطوة أولى على أكثر من طريق قد انطلقت.. وعندما تتلاحم الإدارة مع الثقة مع الإحساس بالمسئولية مع القناعة التامة بأن المستحيل وهمٌ فى عقول وصدور الضعفاء.. عندما يحدث ذلك.. مستحيل أن يوقف تقدمك إنسان!.

الذى يمكن قوله اليوم إن فى مصر الآن.. ثلاث محطات توليد كهرباء.. كل واحدة منها هى الأكبر فى العالم!. إن الخطوات الأخيرة.. على أكثر من طريق.. أصبحت قريبة وبعدها تصنيف مصر يرتقى من حال إلى حال فى حدوتة الكهرباء.. والبلد الذى كان جاهزًا لأن يعيش فى ظلام سنوات.. بات قادرًا على الوفاء باحتياجات أى استثمارات فى أى مجال مهما تكن متطلباته من الكهرباء!.

حقنا أن نفرح بقدرتنا على صناعة هذا الإنجاز.. وأن نطمئن على قدراتنا فى التغلب على أى عقبات وتحويلها فى نهاية الطريق إلى إنجازات!.

...................................................

>> اللغة المصرية فى خطر!.

من لا يصدقنى.. يكلف خاطره ويتعب نفسه.. ويطلب من أبنائه إن كانوا فى مراحل التعليم أو حتى بعد أن تخرجوا من الجامعة.. يطلب رؤية ورقة بخط إيديهم!.

الذى أكتبه اليوم.. سبق وكتبته أكثر من مرة خلال السنوات العشرين الأخيرة!. للأسف.. أحد لم يهتم وكأنها قضية بسيطة أو مشكلة طارئة!.

كنت أتصور أنها مشكلة قرار خاطئ لمسئول بمقتضاه تم إلغاء حصة الخط العربى من المنهج التعليمى!. صحيح هذا القرار جريمة وكارثة ولفترة اعتقدت أنه جهل لمسئول وبالإمكان تدارك الأمر.. إلا أننى اصطدمت بالحقيقة.. التى أوضحت أن إلغاء حصة الخط العربى.. جزء من كل.. والكل حرب على لغتنا لأجل أن تختفى!. الذى اكتشفته.. عرفته من خلال هذه الواقع!.

حدث ذلك قبل 8 سنوات تقريبًا فى إدارة تجنيد القاهرة بالحلمية. وقتها إدارة التجنيد أعلنت عن تجنيد دفعة مؤهلات عليا.. وفى قاعة كبيرة يلتقى فيها المجندون ويملأون استمارات معينة.. لاحظ صف ضابط.. شابًا يقف حائرًا وهو ممسك بالاستمارة. اقترب ضابط الصف من الشاب.. واستفسر منه عن سبب حيرته.. ومن إجابته عرف أنه لم يملأ الاستمارة.. لأنه لا يعرف الكتابة!.

صف الضابط اندهش من وجود شاب لا مؤهلات لديه مع المؤهلات العليا.. لكن دهشته تضاعفت عندما عرف من الشاب أنه مؤهلات عليا وخريج الجامعة الأمريكية.. لكنه لا يعرف الكتابة بالعربية!.

هذه القصة رواها لى مدير إدارة التجنيد وقتها.. وأنا كتبتها فى هذا المكان.. وكتبت أن إلغاء حصة الخط العربى من المنهج التعليمى.. لا يجب أن تتعامل معه على أنه قرار خاطئ ولابد من إعادة النظر فى المسألة كلها!.

بعد شهر من كتابة هذه الواقعة.. وصلنى فاكس من مسئول فى سفارتنا بتركيا.. . المهم أن الفاكس كان رصدًا لاجتماعات رؤساء الجامعات الأمريكية فى العالم.. واللافت للنظر أو أخطر ما جاء فى هذه الاجتماعات.. تقرير رئيس الجامعة الأمريكية بمصر فى هذا الوقت وقوله بالحرف الواحد: لقد نجحنا فى تقديم خريجين مصريين من الجامعة.. لا يعرفون الكتابة بالعربية!.

رئيس الجامعة الأمريكية.. يتفاخر أمام رؤساء الجامعات الأمريكية الشبيهة وأظن أنها تسع جامعات والمصرية العاشرة.. يتفاخر بأن مصريين يتخرجون من عنده.. لا يعرفون الكتابة بالعربية!.

كتبت هذه الواقعة الخطيرة.. التى كانت بداية لحملة لأجل حماية اللغة العربية.. لكن أحدًا لم يهتم!.

اليوم أعيد فتح ملف هذه القضية.. بعد أن أصبحت جامعاتنا ومدارسنا كلها.. «جامعة أمريكية» وكلها تقدم خريجين يكتبون أشياء هى قريبة الشبه باللغة العربية!.

هذه القضية فتحتها يوم الاثنين الماضى فى برنامج «دائرة الضوء» بالنهار اليوم.. وفوجئت باتصال تليفونى صاحبته السيدة ماجدة.. وقالت على الهواء إن ابن أختها شاب عنده 30 سنة ويعمل.. وأنه اضطر لإحضار أستاذ لغة عربية إلى منزله.. ليعلمه الكتابة بالعربية.. لأنه يواجه مشكلة فى عمله بسبب عدم قدرته على الكتابة بالعربية!.

أنقذوا لغتنا العربية.. قبل أن تصبح كلامًا يُسْمَع وصعب أن يُقْرأ ومستحيل يُكْتب!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف