الأهرام
د.محمد مختار جمعه
نسائم مولد الهادى
مع اقتراب شهر ربيع الأول نستشعر هبوب نسائم مولد الهادى محمد صلى الله عليه وسلم تفوح عطرًا وأريجا فى الأجواء كلها, حتى لكأن الهواء غير الهواء, والأجواء غير الأجواء, والأزمنة غير الأزمنة, شأن من يستنشقون عن بعد عطر المكان عندما يقترب الحاج أو المعتمر أو الزائر من حرم الله الآمن أو حرم رسوله وساحته المباركة, ولا سيما قلوب الهائمين والمحبين والعاشقين والمتشوقين لسيرته العطرة. وإذا كان أحد المحبين قد سأل صاحبه: ماذا بلغ بك حب فلانة؟ فقال: بلغ بى أن أرى الشمس فوق جدران بيتها أجمل منها فوق جدران بيوت جاراتها, وأرى الهواء الذى يهب من جهة منزلها واتجاه مسكنها نسيمًا عليلا غير هذا الهواء الذى يأتى من أى جهة أخرى, وأرى القمر فوق قريتها غيره فوق سائر القرى, وأجد للأسماء التى تشاكل اسمها جرسًا دون سائر الأسماء, وللوافد من جوارها مَقْدِما غير مقدم الوافد من سائر الأقطار , فكيف بمن امتلأ قلبه بحب الحبيب صلى الله عليه وسلم حتى امتزج هذا الحب بلحمه ودمه, ولازمه فى النوم واليقظة؟! ولله در قائل:

كل القلوب الى الحبيب تميـل

ومعى بهـذا شاهـد ودليـل

أما الدليـل اذا ذكرت محمدًا

صارت دموع العاشقين تسيل

هذا رسول الله هذا المصطفى

هذا لكل العالمين رسـول

ويقول الآخر:

وممـا زادنـى شرفــًا و تيهــًا

وكدت بأخمصـى أطأ الثريـا

دخولى تحت قولك: يا عبادي

وأن صيَّرت أحمد لى نبيا

ولله در شوقى حيث يقول:

سَـرَت بَشائِـرُ باِلهادى وَمَولِـدِهِ

فـى الشَرقِ وَالغَربِ مَسرى النورِ فى الظُلَـمِ

وَنـودِيَ اِقـرَأ تَعالى اللـهُ قائِلُها

لَم تَتَّصِل قَبلَ مَــن قيلَت لَـهُ بِفَـمِ

هُناكَ أَذَّنَ لِلرَحَمَـنِ فَاِمتَلأَتْ

أَسمـاعُ مَكَّـةَ مِـن قُدسِيَّـةِ النَغَمِ

تَخَطَّفَتْ مُهَـجَ الطاغيـنَ مِن عَـرَبٍ

وَطَيَّـرَت أَنفُـسَ الباغيـنَ مِن عُجُـــمِ

مُحَمَّـدٌ صَفـوَةُ البارى وَرَحمَتُـهُ

وسيد الخلق من عـرب ومـن عجـم

ففى ذكرى مولده ينبغى أن نتدارس سيرته, وأن نحيى سنته, وأن نتخلق بأخلاقه وأن نحيى ذلك فى نفوسنا وقلوبنا وبيوتنا ونفوس أزواجنا وأبنائنا وأصدقائنا وجيراننا , وكل محبى الحبيب صلى الله عليه وسلم, حيث يقول الحق سبحانه: « لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا» (الأحزاب : 21), كما يجب أن نعطر فى هذه الذكرى الحسنة ألسنتنا وبيوتنا وأجواءنا بكثرة الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم, حيث يقول الحق سبحانه: « إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (الأحزاب : 56), وحيث يقول صلى الله عليه وسلم: «من صلى على واحدة صلى الله عليه عشرا»، ويقول: «من صلى على من أمتى صلاة مخلصا من قلبه صلى الله عليه بها عشر صلوات ورفعه بها عشر درجات وكتب له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات), ويقول صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً)، وعن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:(إِنِّى لَقِيتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَبَشَّرَنِى وَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ، يَقُولُ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَجَدْتُ لِلَّهِ شُكْرًا)، وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ عَشْرَ خَطِيئَاتٍ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (أَكْثِرُوا عَلَيَّ من الصلاةِ فى كُلّ يومِ جُمُعَةٍ، فإنَّ صلاةَ أُمّتِى تُعْرَضُ عَلَيَّ فى كُلّ يومِ جُمُعَةٍ، فمن كانَ أَكْثَرَهُمْ عليَّ صلاةً كانَ أَقْرَبَهُمْ مِنّى مَنْزِلَةً).
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف