الأخبار
يسرى الجندى
خاطرة .. هل نحن شعب خانع ؟
إطلاق سراح عدد من شبابنا بعفو رئاسي كان له الأثر الطيب والأمل في انفراجة حقيقية ـ ليس في وضعية الشباب ودوره فحسب بل في قضايا الواقع كله فيما يتبع، وللأسف تبع ذلك مباشرة حكم قاس بالسجن والغرامة علي نقيب الصحفيين وعضوين من مجلس الإدارة معه. وكان ذلك بمثابة صدمة موجعة وإجراء غير مسبوق منذ مائتي عام هي عمر هذه المهنة. فكيف لنا أن نجمع بين الأمل في الواقعة الأولي والصدمة المؤلمة في الثانية؟! لنضع الأمر في سياق أوسع علنا نفهم.
حين ضاقت الأرض بما رحبت أمام أعضاء الحكومة وتقطعت بهم السبل.. استصرخوا صندوق النقد الدولي حتي جاء متمهلا.. وامتد تمهله فزادت وطأة الانتظار مع جهد مستميت لتنفيذ مطالبه ـ مع أن هذه الحكومة تعودت ألا تبذل جهداً مثمراً أو خلاقا إزاء الشعب الذي تزداد أحماله ـ حتي أعلن الصندوق رضاه ودفع إلينا بالدفعة الأولي من القرض. فهللت الحكومة وكبرت هي وإعلامها كأنه الفرج من كل هم وكرب أو كالعبور في أكتوبر المجيد ـ والمفاجأة هنا أنه لم يحدث ما توجسوا منه أو توقعوه فأعدوا واستعدوا ليوم ١١/١١.. وأعني أن الشعب المصري لم يخرج محتجا أو ثائراً أو محطما مثلما كان اخرون يحرضون ويتمنون ـ وذلك برغم مرارة الشكوي وتصاعدها بتحمله فوق ما تحمل ـ حتي بدأ سب الشعب المصري من جانب -من تمني- واتهامه بالخنوع والمذلة ـ مثلما حدث أن بعض الإعلاميين الحكوميين قبل ما أشيع عن ١١/١١.. أخذ في إهانة الشعب المصري واتهامه بعدم الوعي والإحساس »‬خلوا عندكم دم» هكذا قالها أحدهم للناس بعد أن صاح بهم أمراً أن يتحملوا!!
هنا تأكد أنه لا أحد من كل الأطراف بالداخل أو بالخارج من ذوي الأطماع السياسية أو الاقتصادية.. بل بعض النخبة.. يفهم حقيقة وجوهر الشعب المصري.
هذا الشعب ما كان.. خانعا أو ذليلا بطبعه.. بل ان العقل الجمعي المصري ظل مضيئا في أعماقه برغم نسبة الأمية حاليا وما حاولوه من طمس لعقل ووجدان الفرد المصري.. فقد ادرك ان الخروج مما نحن فيه قد يحمل غيوما فوق غيوم اشاعها جو من العتمة والتعتيم ومتاهة حجبت عن الكثيرين أن هناك بدائل شتي عن دروب خاطئة بدائل كان من الممكن ان تنقذنا من المتاهة وذل السؤال.. وهذا ما يمكنك ان تسمعه من بسطاء الناس كما سمعته بنفسي.. وكانوا ساعتها سيتحملون أي تضحية عن كامل الرضا والقناعة.
التاريخ الطويل العجيب لشعبنا يحكي عن هذا العقل الجمعي.. ويثبت انه حقيقي لا خيال لمن يقرأ التاريخ جيدا.. فاقرأوه.. وإن غُم عليكم.. فكثير منا عاش العقود الثلاثة الأخيرة وشهد كيف تحمل الشعب وصبر.. لكنه الصبر الجميل.. الذي انتهي إلي ثورة ٢٥ يناير فأذهل العالم وبرغم ما جري من اختطاف للثورة واستردادها في ٣٠ يونيو.. ثم محاولة الحرس القديم لعصر مبارك من إعادة الاختطاف إلا أن هذا الشعب يعرف كما أومن في قرارة نفسي بأن كل ما جري ويجري مجرد مرحلة في رحلة طويلة شأن كل الثورات الحقيقية الكبري.
فهل ننزلق إلي حكم ضرير علي هذا الشعب بالغفلة أو الخنوع رغم هذا؟ الغفلة هي هذا الحكم!
> هذه واحدة. أما الثانية فكما تعلقنا خطأ بهذا الصندوق.. يجب ألا نتعلق بقشة أخري ونهلل ونكبر لفوز »‬ترامب».. وإن لاحظنا أن هذا الشعب لم يهلل ولم ينطل عليه ما حدث ويحدث فالعقل الجمعي المصري رصد ما كان من كذب »‬أوباما» وما كان من هوس »‬بوش» وكلاهما معا مركب عضوي يدعي الآن »‬ترامب».. وكلهم وبال علينا وإن كان ثالثهم أكثر وبالا علي مصر والمنطقة العربية وربما علي أمريكا نفسها والعالم كله كما توقعت في مقالي السابق »‬كلام مع نفسي» وليس أمامنا إلا أن ننقذ أنفسنا بأنفسنا.
ويبقي السؤال: ماذا سيحقق لنا هذا القرض إزاء حجم وعمق مشاكلنا؟ ونسأل إن كانت الحكومة لم تضع سياسة واضحة تحكم حركتها وفق أولويات صحيحة.. فماذا يمكن أن تفعل بهذا القرض حتي لو خفض التضخم قليلا؟
هل بوسعها ان تحدد لنا كيف سيساعدنا علي حل كل ما نواجهه؟
-إش تعمل الماشطة..؟
سعدت وانشرح صدري حين استمعت لأكثر من مرة إلي آراء صائبة لعدد من شباب مجلس النواب.. كان رؤاهم واضحة تزيل كل لبس وتشوش مما نراه في سياسة اللا سياسة ومتاهاتها.
ولكن داهمني سؤال: هل تملك هذه الأصوات الشابة بأفكارها البناءة ان تغير من صورة المجلس الذي لم نره يحقق المطلوب منه وفق الدستور فيحمينا من كل أشكال الفشل والخلل.. وكل ما ينضح به الواقع حولنا؟
أين هذه الأصوات من صورة المجلس؟ يبدو أنه يتم تجاهلها أو تهميشها منعا لوجود نواة لأي معارضة حقيقية في مجلس ارتضي لنفسه دور المؤيد المطلق للحكومة وليس المراقب والمحاسب لها بحق!
لو لم يكن الأمر كذلك لرأينا سحبا للثقة بالفعل ممن ثبت فشله أو تقصيره.. ولرأينا التزاما بالدستور وليس انتهاكا له مرارا.. ولرأينا مجلسا يسأل الحكومة عن حكاية الصندوق هذه.. ولم لم يعرض عليه بداية.. وما يقود إلي سؤال مهم: ألم يكن هناك بدائل حقيقية لو كنا نملك من البداية سياسة واضحة تحكم العمل الوطني أولوياته كي نحقق تنمية مستدامة تدور معها عجلة الإنتاج والاستثمار الصحيح؟.. اسئلة وغيرها كثير مما قد يبطل المجلس والحكومة معا.
لا يملك هؤلاء النواب الشباب الوطنيون تغييرا آنيا في غياب أحزاب حقيقية قادرة علي خلق حياة برلمانية قوتها في المعارضة قبل الأغلبية الحاكمة.. لينفتح باب المشاركة الشعبية والشفافية الغائبة.
ورغم ذلك لا أدعو هؤلاء النواب النبلاء لليأس.. فهم جزء عزيز من ضمير الأمة ومستقبل بلدنا والثورة التي مازالت في طور الاكتمال شأن كل الثورات الكبري متعددة الأطوار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف