الجمهورية
بسيونى الحلوانى
لوجه الله .. حكومة ناعمة .. وتجار فجار!!
واضح أن الحكومة قد اتخذت القرارات الاقتصادية الإصلاحية الأخيرة دون أن تستعد لتداعياتها جيدا ودون أن تتخذ من الاجراءات الرقابية علي الأسواق ما يحمي المواطنين وخاصة الفقراء ومحدودي الدخل من جشع التجار وفجر بعضهم وسباقهم في رفع الأسعار كل يوم كيفما يشاءون وهم مطمئنون كل الاطمئنان بأن الدولة غائبة عن الأسواق وأن مفتشي وزارة التجارة الداخلية يغطون في سبات عميق.
ما شهدته وتشهده الأسواق المصرية الأن من سباق محموم في رفع أسعار كل السلع والمنتجات أمر يفوق الخيال ويؤكد أن الحكومة اتخذت قراراتها الاقتصادية ورفعت أيديها وتركت مواطنيها في مواجهات يومية مع التجار الذين استفادوا من حالة الفوضي التي تشهدها الأسواق أقصي استفادة وحققوا أرباحا طائلة من وراء المنتجات التي تمتلئ بها مخازنهم والذين يبيعونها بالأسعار التي تحلو لهم دون رقابة من أية جهة.
في أحد محلات الأدوات الصحية بمنطقة الهرم صرخ المواطن البسيط في صاحب المحل: حرام عليك.. كل يوم ترفع الأسعار علي مزاجك.. أنتم حتروحوا من ربنا فين.. فين الحكومة اللي تركتنا ليكم تمصوا دمنا كل يوم؟ وترك الرجل المحل وانصرف دون أن يشتري شيئا وهو يردد "حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم وفي الحكومة".
بعد انصرافه سألت صاحب المحل: لماذا ترفعون الأسعار كل يوم دون أن تغير الشركات التي تمدكم بالمنتجات من قوائم أسعارها؟
رد علي بكل جسارة: ياريت تسأل الحكومة لماذا خفضت قيمة الجنيه المصري للنصف وأهدرت ما تبقي له من قيمة؟ وهل مطلوب منا أن نهدر ما لدينا في المخازن بالأسعار السائدة قبل تخفيض قيمة الجنيه ثم نشتري غيرها بأسعار أعلي؟ الأسعار ترتفع كل يوم. بل هناك منتجات ترتفع أكثر من مرة في اليوم الواحد ولا دخل لنا في ذلك!!
وما حدث في محل الأدوات الصحية يحدث في كثير من المتاجر والمحلات الأخري وسط حالة من السخط الشعبي علي تهاون الحكومة مع التجار الجشعين والذين استغلوا القرارات الاقتصادية الأخيرة لاستغلال المواطنين رسميا وهم يحملون "صك الاستغلال" وهو تخفيض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار حتي ولو كان المنتج محليا وليس له علاقة بالدولار.
ما تشهده الأسواق المصرية من فوضي الأن أمر لا يمكن السكوت عليه. لأنه يؤكد غياب الدولة بأجهزتها الرقابية عن الأسواق وترك مواطنيها نهبا لهؤلاء المستغلين.. وعندما أقول الأسواق لا أعني أسواق الطعام والشراب فقط والتي تحاول الدولة التخفيف من حدة معاناة المواطنين فيها بطرح بعض المنتجات بأسعار مناسبة.. بل أعني أسواق متطلبات حياة المصريين من أجهزة كهربائية ومستلزمات معمار وملابس وأحذية وأدوات منزلية وغيرها.. فالحياة ليست طعاما وشرابا فقط. بل هناك ضرورات أهم كثيرا من الطعام والشراب عند أسر محدودة الدخل تريد أن تزوج أولادها أوتحسن من وضع مساكنها.
نقل لي صديق عزيز مشهدا مؤثرا بين رجل من محدودي الدخل ذهب لشراء شاشة تليفزيون لابنته التي تستعد للزفاف:
الأب: يا بنتي الأسعار ارتفعت وكفاية شاشة 32 بوصة.
الإبنة: لأ.. مش عايزة خلاص.. انت وعدتني بشاشة 40 بوصة.
الأب: يا بنتي دا كان قبل ارتفاع الأسعار.. الشاشات أسعارها بقت نار زي ما انت شايفة والمبلغ الموجود معانا لا يكفي إلا لشاشة 32 بوصة.. نعمل ايه؟!
تنصرف الفتاة من محل الأجهزة الكهربائية غاضبة وينصرف خلفها الأب يحاول تهدئتها ويعدها بتدبير باقي المبلغ و العودة بعد يومين أو ثلاثة لشراء الشاشة التي تريدها ابنته.
أما المشهد الطريف الذي أهديه للحكومة فيرويه لي أحد الأصدقاء الأعزاء حيث كان ينهي بعض الاجراءات فأعطي 20 جيهاً لاحد الاشخاص لسرعة تخليص الإجراء رغم أن ذلك من صميم عمله.. فإذا بهذا الشخص ينظر إليه بغضب ويقول له: "أشتري بها إيه النهاردة" مما دفع الصديق إلي تقديم "علاوة رشوة" عشرة جنيهات أخري ليستطيع الرجل أن يشتري بها شيئا في ظل حالة الغلاء وفوضي الأسواق التي نعيشها.
الأسواق المصرية تشهد سباقا محموماً في رفع أسعار كل السلع والمنتجات وغياب الدولة بأجهزتها الرقابية عن الأسواق أعطي الفرصة لنوعية سيئة من التجار في إدارة هذا السباق مما يضاعف من حالة الاختناق لدي غالبية المواطنين الذين لم ترتفع دخولهم ويعيشون الأن في هم وغم بسبب عجزهم عن تدبير احتياجات أسرهم الضرورية.
لا ينبغي أن تقف الحكومة متفرجة أمام هذه الفوضي ولا ينبغي أن تنشغل بأسعار الطعام والشراب التي تضاعفت مؤخرا عن أسعار مستلزمات حياة المصريين الأخري.. ومواجهة النوعية الرديئة من التجار هي مسئولية الدولة أولا. وتحرير التجارة وحرية السوق وغير ذلك من الشعارات الاقتصادية لا تعني أبدا ترك هؤلاء التجار المستغلين بدون رقابة ومساءلة.
ما يحدث في كل أسواقنا من ممارسة خاطئة واستغلال فاحش لحاجة الناس ينذر بعواقب وخيمة. وبعض الفقراء في ظل حالة الغلاء لايجدون ما يسدون به رمقهم والانسان الجائع والمحروم لن يبقي علي شيء وسيضحي بحياته دفاعا عن لقمة عيشه.
لا ينبغي السكوت علي سياسات الحكومة الناعمة.. بل ينبغي محاسبتها علي تهاونها في مراقبة الأسواق مما ضاعف من معانات الفقراء ومحدودي الدخل من قرارات الاصلاح الاقتصادي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف