الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
القضاء الواقف

العدالة في مصر. لا تسير إلا بجناحين: القضاء الجالس والقضاء الواقف "المحاماه" والمحامي الكفء المخلص في أداء عمله خير معين للمحكمة في بيان الحق. والوصول إلي تحقيق العدل والعلاقة بين القاضي والمحامي أساسها الزمالة وليست محل شبهة وانما العلاقة بين القاضي والمتقاضي محظورة ومانعة من نظر دعواه.
شاهدنا واستمعنا إلي دفاع محامين أفاضل تكتب سيرتهم بحروف من نور. مثال الجدية في العمل والتفاني فيه ومعايشة الأعمال المسندة إليهم. إلي حد أن بعضهم من شده القلق يصاب بمرض السكر أو ببعض أمراض المهنة. إذا ما صدر حكم ضد موكلهم يحترمونه وإن كان لا يمنعهم من الطعن عليه أمام الدرجة الأعلي مادامت الفرصة متاحة والقانون يسمح. حديثهم مع موكليهم عن أن دورهم هو الدفاع وإبراز وجهة نظرهم وللقضاء رأيه المستقل في الأخذ بهذه الوجهة أو رفضها إذ أن الاحكام بيد الله.. والقاضي حين يحكم لا تعليق علي شخصه. إنما يكون الحديث والطعن علي أسباب الحكم بالقول أن المحكمة غفلت عن كذا أو لم تأخذ بكذا إلي آخر ما يراه الطاعن من أسباب. ولا يقول أخطاء القاضي أو اغفل القاضي للعلم بأن الحكم بعد صدوره ملك للكافة المحكوم له بطلب تنفيذه. والمحكوم عليه بالطعن والاستئناف ولا شأن للقاضي به بعد صدوره.
المحاماه مهنة يتوارثها الأحدث عن الأقدم لها تقاليدها العريقة وأسلوبها الكريم. وحين تضيع الاستاذية. ويذهب التوجيه بعيداً تسوء تصرفات الصغار الذين لا يعرفون حق المهنة وقدسيتها وجلالها. ومهمتها إذا أننا نذكر دائما في أحاديثنا ومحاضراتنا أن المحاماة مهنة الدفاع عن الحريات والذود عن الحقوق وسيادة القانون وهو ما تناوله المرحوم المستشار عبدالحليم الجندي في كتابة "المحامون وسيادة القانون" وقديماً كان السياسيون في مصر هم رجال القانون وأساتذته كان حظي من السعادة بمكان حيث ترافع أمامي كبار الأساتذة المحامين في القاهرة والإسكندرية وطنطا والمنوفية والقليوبية والدقهلية وأسيوط ودمنهور وعرفت منهم أساتذة أفاضل أدباء وشعراء يعشقون مهنتهم. ويؤدون واجبهم بعزة وشرف وتمكن واقتدار. رحم الله الدكتور علي الرجال والاستاذ نبيل الهلالي محامي العمال المساكين والغلابة ورمز التواضع والثقافة وغيرهما كثير مازالوا احياء تشرف بهم مهنة المحاماة. كما عرفت بعضاً من تلك القلة لن تسئ إلي مهنتهم التي لا تستحق منهم ذلك.
في احدي جلسات الجنح المستأنفة بالمحكمة الابتدائية ننظر الاشكالات في التنفيذ آخر الجلسة ولدي نظر احداها رأت المحكمة استشكالاً لا يستحق القبول وقضت برفضه والاستمرار في التنفيذ. في اليوم التالي أخبرني أمين السر أن المستشكل هرب من حرس المحكمة الذي تتبعه خارج المبني واجري ضبطه في الشوارع المحيطة بعد اطلاق أعيرة نارية في الهواء. حينئذ صرخ المحكوم عليه قائلاً: الله يخرب بيته المحامي لم يحضر وزعم أن المحكمة وعدته بإخلاء سبيله.. وكانت النتيجة أن المحامي اختفي طوال العام القضائي وكان لا يستطيع مواجهة زملائه المحامين الذين استنكروا كذبه وادعاءه امثال هذا النموذج موجود. ولكنه بحمد الله قليل ويلقي مقاومة وتعنيفاً من عموم المحامين حراس الحرية. رجال القضاء الواقف وحماة العدل في مصر وفي مجتمع يسود فيه القانون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف