(١) لا شك أن مجلس الشعب المصرى فى فصله التشريعى الخامس (١٩٨٧ - ١٩٩٠)، كان مختلفاً من حيث الحيوية والإثارة عن المجالس التى سبقته أو التى لحقته، خاصة فى حقبة نظام حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وذلك لأسباب عدة؛ أولها: حجم ونوعية المعارضة، ثانيها: نوعية الشخصيات البارزة داخل حزب الأغلبية، ثالثها: شخصية رئيس المجلس ذاته، من حيث القدرة والكفاءة، ورابعها: توافر إرادة الجميع بأن يؤدى كل مكون دوره على أفضل ما يكون.. وقد شهد هذا المجلس الكثير من الأدوات الرقابية؛ من استجوابات وأسئلة وطلبات إحاطة، علاوة على إصدار عدد من القوانين المهمة.. لكن هذا لم يمنع من وجود بعض السلبيات والخروقات.. على سبيل المثال، كان وزير داخلية حسنى مبارك، اللواء زكى بدر، حريصاً على التضييق على المعارضة وملاحقتها خارج المجلس، بشكل يدعو إلى الدهشة والاستغراب.. لا أنسى منعى من الذهاب إلى سوهاج لإلقاء محاضرة بالجامعة هناك وإعادتى إلى أسيوط.. ولا أنسى أيضاً منع الدكتور عصام العريان من الذهاب إلى السويس وتعرضه للضرب على يد بعض رجال الأمن، ثم إعادته إلى القاهرة.. كل ذلك كان يتم بقصد إهانة المعارضة، وأن وجودها داخل مجلس الشعب لن يضيف إليها جديداً.. كما لا أنسى كذلك يوم عرض وزير الداخلية تحت القبة شريط فيديو ينال فيه بطريقة مخزية من فؤاد باشا سراج الدين، زعيم حزب الوفد، الأمر الذى جعل طلعت رسلان، النائب الوفدى، يخرج عن اتزانه ويندفع من آخر المجلس حتى المنصة التى كان يقف عليها الوزير ويسدد إليه لكمة قوية!!
(٢) وقد كان اعتراض المستشار «الهضيبى» على ترشح المستشار عبدالسلام حامد لمنصب المدعى العام الاشتراكى والرد عليه من قبَل كمال الشاذلى من أهم الإيجابيات لهذا المجلس.. يقول «الطويل» فى كتابه (الإخوان فى البرلمان، ١٩٩٢) معلقاً على الحوار الذى جرى بينهما: «إن كمال الشاذلى تصدى للدفاع عن المرشح الجديد من منطلق أنه ترشيح رئيس الحزب الوطنى الذى هو فى نفس الوقت رئيس الجمهورية، وكذلك لأنه -أى «الشاذلى»- كان أمين الاتحاد الاشتراكى (التنظيم السياسى الواحد آنذاك) فى المنوفية التى تقع فى دائرتها قرية كمشيش مسرح الأحداث الدامية.. ولا شك أنه بذلك يبرئ ساحته من أى مسئولية عما شاهده أو سمع به من تعذيب وعن واجبه فى حماية المعذبين آنذاك، إلا أنه -بطبيعة الحال- كان لا يملك ذلك فى تلك الآونة والفترة الظالمة.. وقد اعترض على الترشيح أيضاً المهندس إبراهيم شكرى لذات الأسباب التى ذكرها «الهضيبى»، وأشار إلى أن حزبه لا يوافق على الترشيح ابتداء لأن برنامجه يطالب بإلغاء منصب المدعى العام الاشتراكى، وساق مبرراً آخر بلباقة قائلاً: يمكن أن تضاف إلى مفاخر الرئيس «مبارك» أن ليس الأمر عندما يرسل إلى المجلس باسم مرشح فإن هذا يكون أمراً يجب أن نطيعه.. لا.. إن الرئيس لا يصدر أوامر، وإنما هو يضطلع بمسئولياته بالنسبة للأوضاع.. فعرض اسم المرشح ليس عرضاً شكلياً، وليس الأمر هو أخذ موافقة من المجلس، ولكن الأمر يجب أن يأخذ طريقه.. وأضاف: والترشيح لا يمكن أبداً أن يكون قد أتى من الرئيس «مبارك» مباشرة، فهو لا يعرف الهيئة القضائية.. ولا يعرف هؤلاء.. ولكن الأمر لا شك أنه ترشيح، جاءه من جهة ما.. إلا أن رئيس المجلس قاطعة قائلاً: إن الرئيس حينما يرشح له مطلق الحرية، ويستفسر كما يريد.. فقال «شكرى» معقباً: وكما أن للرئيس الحق فى الاستفسار، فإن المجلس أيضاً له الحق فى الاعتراض.. ثم تابع: إن الأمر لا يمكن أبداً أن يكون بالوضع الذى نضع فيه شخصاً تحوم حوله الشبهات.. ولا أقول إنها حتى اتهامات.. ولا أقول إنها ثبتت عليه.. إنما هى شبهات فقط، فقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم) ما معناه: تجنبوا مواطن الشبهات.. وقد تحدث مؤيداً للترشيح المستشارون: محمد موسى، فتحى رجب، وحلمى عبدالآخر.. وامتنع حزب الوفد عن التصويت، حيث وقف ممثله ياسين سراج الدين ليقول، مبرراً امتناعه: أولاً.. برنامج حزب الوفد يطالب بإلغاء جهاز المدعى العام الاشتراكى.. وثانياً.. حتى تتبين حقيقة المعلومات الخطيرة التى طرحت على اللجنة العامة ثم المجلس.. واقترح إعادة الموضوع للجنة العامة لإعداد الفحص والدراسة..
(٣) بعد ذلك طرح الأمر للتصويت، فكان عدد الموافقين ٢٦٩ عضواً، أى بنسبة ٨٠٪ تقريباً، من الحاضرين ساعتئذ وكان عددهم ٣٣٧.. يقول «الطويل» فى كتابه (المرجع السابق)، معلقاً على هذه النتيجة: «إن هذا الموقف أوضح مدى الحركة النشطة الدؤوبة للإخوان، لأنه مجرد إعلان اسم المرشح، فقد أعدوا أنفسهم لحيثيات الرفض وعرضها بأسلوب مؤثر فى التصويت.. حيث رفض بعض أعضاء الحزب الوطنى الحاكم الترشيح فى اللجنة العامة برئاسة الدكتور رفعت المحجوب، وكذلك تغيب بعض أعضاء نفس الحزب عن حضور جلسة التصويت، حيث حصلت الموافقة من ٢٦٩ عضواً من الحزب من إجمالى عضويته البالغة ٣٥٠ نائباً تقريباً.. ولا شك أنه كان للاحتجاج ومعارضة الإخوان أثرها الرادع للمدعى العام الاشتراكى الجديد نفسه.. حيث يتبين ابتداء -للرأى العام- أن أى تحرش بهم من جانبه، هو يستند إلى ماضٍ مشترك بينهم، ولذلك يبدو أمام الجمهور أن ذلك يعد من قبيل تصفية الحسابات.. وأعتقد أن المدعى العام أدرك ذلك.. ومن هنا، فقد حققوا فى تلك الجولة تعادلاً محموداً، وإن لم يتحقق لهم مكسب، فلم تنزل بهم خسارة».. والحقيقة أن اللجنة العامة للمجلس اجتمعت برئاسة «المحجوب» فى اليوم السابق على مرافعة ودفاع «الهضيبى» فى المجلس، ورأينا أن ٩ من الأعضاء -منهم تابعون للحزب الوطنى- قد صوتوا بالرفض، وأنهم لم يتخذوا هذا الموقف تأثراً بما لم يكونوا قد سمعوه بعد من المستشار «الهضيبى»، ولا أدرى ما هو السبب الحقيقى لموقفهم الرافض، وهل كانت لديهم معلومات عن المرشح، أم لا؟ وما هو مصدرها؟ ثم، إن الذين وافقوا على التعيين كانت نسبتهم عالية، فاقت الثلثين بكثير، وتعنى أن الالتزام الحزبى عندهم ضرب باحترام الدستور والقانون وأحكام القضاء عرض الحائط.. ويثور سؤال: هل كان تغيب بعض أعضاء الحزب الوطنى عن الجلسة العامة جاء بشكل عفوى غير مقصود، أم أنهم أرادوا إعفاء أنفسهم من مغبة الحضور؛ وهم فى هذه الحالة أمام اختيار صعب، فإما أن يصوتوا بالموافقة (كما فعل الباقون) فيخونون ضمائرهم، أو يصوتوا بالرفض فيغضبون قيادتهم؟ (وللحديث بقية إن شاء الله).
هل كان تغيب بعض أعضاء الحزب الوطنى عن الجلسة العامة جاء بشكل عفوى غير مقصود أم أنهم أرادوا إعفاء أنفسهم من مغبة الحضور وهم فى هذه الحالة أمام اختيار صعب فإما أن يصوتوا بالموافقة (كما فعل الباقون) فيخونون ضمائرهم أو يصوتوا بالرفض فيغضبون قيادتهم؟