د. محمود خليل
التاجر السايب.. يتعلم السرقة!
دعوة تبنتها جمعية حماية المستهلك لمقاطعة شراء السلع أول ديسمبر المقبل، على أن يكون هذا التحرك خطوة أولى يعقبه خطوات تصعيدية أكبر يتم من خلالها الامتناع عن شراء منتج أو سلعة محددة مثل البيض أو أى سلعة أخرى معرضة للتلف إذا لم يتم بيعها وتصريفها. الفكرة فى حد ذاتها إيجابية لا خلاف على ذلك، فالكثير من التجار استغلوا حالة الفوضى التى ضربت الأسواق فى مصر عقب الإجراءات التى اتخذتها الحكومة فيما أطلقت عليه «برنامج الإصلاح الاقتصادى» ليرفعوا الأسعار كما شاءوا وشاء لهم الهوى، لكن الإنصاف يقتضى أن نعترف بأمرين، ونحن بصدد مناقشة هذا الموضوع، أولهما أن مواجهة حالة السعار الذى أصاب الأسعار يجب أن يتجاوز التجار إلى قوى الاحتكار الكامنة وراءهم، وثانيهما أن جشع التجار ليس السبب الوحيد لارتفاع الأسعار.
وراء كل مجموعة من التجار والموزعين الصغار لأى سلعة يقف محتكر كبير. هذا المحتكر هو أصل الجشع، وهو الجهة التى تحصد المليارات بسبب تحكمه فى السعر، واستغلاله حالة الفوضى التى أصابت الأسواق عقب التعويم وإطفاء دعم المحروقات، وتطبيق قانون القيمة المضافة، واللى لسه فى السكة! أما التجار الصغار فيحتكمون إلى شعار كل برغوث على قدر دمه، وبالتالى فهم يمتصون دماء غيرهم، كل على قدر طاقته. المحتكرون الكبار يمثلون أحد تجليات «لعب المسئولين»، فالمحتكر حين يحتكر يفعل ذلك إما برضاء المسئول وترحيبه، أو بسبب عجزه وخوفه من مواجهة الكبير الذى يحكم سوق سلعة معينة، حتى لا يقلب عليه، ويسبب له مشكلات قد ينوء بها. المسئول يخشى المحتكر أكثر مما يخشى المواطن! أما التجار الصغار فيعبرون عن «لعب المواطنين» مع بعضهم البعض. فالتاجر أو البائع أو الموزع يعلم أن المحتكر الكبير ينهب، دون أن يقف له أحد، فيجد مسألة «التهليب» من جيوب المواطنين أمراً طبيعياً. طرحت -وغيري- عدة مرات سؤالاً عن موقف السلطة من الاحتكارات. ويبدو أن هذا السؤال صعب للغاية، لذلك سوف يظل بلا إجابة!
جشع التجار ليس السبب الوحيد لارتفاع الأسعار، هناك سبب آخر لا يليق أن نقفز عليه، يتمثل فى غياب الرقابة الحكومية على الأسواق، و«التاجر السايب يتعلم السرقة». الحكومة لا تقوم بدورها فى هذا السياق، بل إن جهاز حماية المستهلك نفسه لا يقوم بجهد محسوس فى هذا السياق، وبإمكانك أن تجرب ذلك بنفسك، فتتصل بأرقامه الساخنة لتقديم أى شكوى، وقل لى ماذا تم معك!
أسعار السلع فى الأسواق يحرك بعضها بعضاً، فى وقت تقف فيه الحكومة محلك سر، الأسعار متحركة والحكومة عاملة ميتة، لا ليس ذلك فقط، إنها تبعث برسائل الشكر والمباركة للشعب الذى تقبل بنفس راضية ومرضية قضاءها المبرم وقدرها المحتوم بإشعال الأسعار. وأطرف ما فى هذه الحكومة أنها تظن أن صمت الناس رضا، وأنهم «آخر انبساط» بارتفاع الأسعار. ولست أطلب من أى من المسئولين -حتى يعلموا أن عمر الناس ما كانت مبسوطة- سوى أن يستمعوا إلى صراخ المواطنين فى المداخلات التليفونية فى البرامج التليفزيونية.. الصراخ اليوم فى الاستديوهات، والله أعلم أين سيكون غداً؟!