السيد الغضبان
على الهوا .. الدعوة للإرهاب
ينمو الإرهاب في بيئة ملائمة يسودها «التطرف» في أي اتجاه كان هذا التطرف، وأعني بهذا الخطاب والتصرفات التي تعتمد على تفسيرات متخلفة أو متعصبة للأديان، وبنفس القدر الخطاب أو التصرفات التي تتصادم بعنف مع القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع.
المشكلة أننا نركز على الخطاب الديني المتعصب ونغفل الخطاب الذي يدعو إلى الانحلال الأخلاقي والخروج الصارخ على القيم الأخلاقية والاجتماعية، بينما هذا الخطاب الأخير هو الأخطر بمراحل لأنه يعطي أصحاب الخطاب المتعصب والمتشدد الذرائع والفرص الذهبية لتبرير خطابهم المتعصب. فإذا جادلهم أي إنسان حول تعصبهم وتطرفهم رفعوا في وجهه نماذج من الخطاب الذي يدعو لكل أنواع الفجور والانحلال الأخلاقي مبررين خطابهم بأن الرد الطبيعي على مثل هذا الخطاب الذي يدعو للفجور والانحلال الأخلاقي ومثل هذا التبرير يلقى استجابة واسعة من الجماهير التي تصدمها مشاهد الفجور والانحلال التي تقدمها العديد من شاشات الفضائيات الخاصة.
ومن يتابع هذا الاتجاه في عرض ألوان شتي من الانحرافات الأخلاقية، خاصة في الأعمال الدرامية الأكثر جاذبية للجماهير البسيطة يستطيع أن يرصد تنامياً سرطانياً خطيراً لهذه الظاهرة.
وتؤكد المؤسسات المعنية بالسلوكيات الاجتماعية ان نسبة اللجوء إلى العنف الجسدي واللفظي وإلى السلوكيات الشاذة في المجتمع ارتفعت بدرجة كبيرة بعد عرض مسلسل «الأسطورة» الذي قدم العنف الجسدي واللفظي والانهيار الأخلاقي في اطار جذب أعداد كبيرة من الشباب لتقليد بطل المسلسل.
وفي نفس الوقت انحازت مجموعات كبيرة من الشباب إلى الفكر الأكثر تعصباً وتطرفاً استجابة لدعوات قادة التعصب وعرضهم لأفكارهم باعتبارها البديل الطبيعي والوحيد لمثل هذا الانحلال والفجور.
وتؤكد هذه المؤسسات المعنية بالسلوكيات الاجتماعية والأخلاقية ان طوفان هذه النوعية من المسلسلات بدأ يعلو بطريقة خطيرة وأن درجة الفجور والفحش تتصاعد بسرعة مذهلة.
ولعل من أبرز الأمثلة على هذا الطوفان من الانحلال الأخلاقي ما يقدمه مسلسل يعرض هذه الأيام على إحدى الفضائيات الخاصة تحت اسم «ستات قادرة» وهذا المسلسل جذب كماً هائلاً من الاعلانات وهذا الأمر من شأنه أن يشجع منتجي الدراما على البحث عن المزيد من الانحطاط الأخلاقي والبحث عن أبشع ألوان السلوكيات المنحطة لتكون هي المحور الذي تدور عليه أحداث مسلسلاتهم.
فالنموذج الذي قدمه مسلسل «ستات قادرة» يدفع «تجار الدراما» إلى البحث عن المزيد من الاثارة التي تخاطب أحط الغرائز.
والأمر الذي يدعو إلى مزيد من الأسف أن هذا المسلسل يعتبر- بحق- مدرسة للتدريب علي الدعارة في أحط صورها.. ويقدم المجتمع المصري باعتباره مجتمعاً منحلاً وكل امرأة وفتاة فيه إما أن تكون «مومس» محترفة أو «مشروع مومس» ومن يشاهد هذا العمل يقع في روعه أن مصر ليست أكثر من بيت دعارة كبير؟! يحميه بعض رجال الأمن من مباحث الآداب؟!
هل نتصور أن يفوت دعاة التعصب الديني هذه الفرصة؟! لقد استمعت إلى بعضهم وهم يقدمون أفكارهم المتطرفة باعتبارها طوق النجاة للمجتمع قبل أن تتحول مصر كلها إلي بيت دعارة كبير كما يصورها هذا المسلسل.
أما الحجة بأن مثل هذه الأعمال تحقق نسبة مشاهدة عالية، فهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ولو اتخذنا هذا معياراً للنجاح ولإنتاج مزيد من الأعمال المنحطة فسوف نصل قريباً إلى الحد الذي يدعو فيه البعض لبث أفلام الجنس الصريح بنفس المنطق الذي يرى أن الموارد الاعلانية هي التي تحدد نوعية ما يجذب المشاهدين.
الأمر يحتاج لوقفة حاسمة وحازمة مع كل خطاب متطرف سواء كان تفسيراً متخلفاً ومتعصباً للدين أو كان خطاباً يدعو للفجور والانحلال ويوفر بذلك مبرراً لدعوة التفسيرات الدينية المتعصبة.