المصريون
جمال سلطان
لمصلحة من إشعال الحرائق السياسية في مصر ؟!
تتحير كثيرا عندما تتأمل في إدارة الشأن السياسي المصري الآن ، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي أو الإقليمي ، وتصل الحيرة بك إلى حد أن تتصور أن هناك من يدفع النظام إلى العمل عكس مصالحه الحيوية ، ويعمل على توريطه فيما يؤذيه ولا ينفعه ، أو أن هناك من يتصور أن سياسة الدول والناس تكون بالعناد والعجرفة وركوب الرأس وليس بالحكمة ، ولعل واقعة التصعيد الخطيرة في مشكلة نقابة الصحفيين مع وزارة الداخلية ووصولها إلى الأزمة الحالية بحكم سجن نقيب الصحفيين واثنين من مجلس الإدارة ، بمن فيهم السكرتير العام ورئيس لجنة الحريات ! ، لعلها تكون حالة نموذجية على ما نحن بصدد الحديث عنه ، لقد حدثت الضجة عندما اقتحمت قوة أمنية نقابة الصحفيين لاعتقال اثنين من الصحفيين بدون حضور ممثل للنيابة ولا نقيب الصحفيين كما ينص القانون ، وكان واضحا للجميع وقتها أن المقصود هو إهانة رمزية النقابة ، خاصة بعد مظاهرات غاضبة من موقف الرئيس في قضية جزيرتي تيران وصنافير انطلقت أساسا من محيط النقابة ، وهذا ما أغضب الصحفيين ، بمن فيهم المختلفين مع النقيب يحيى قلاش أساسا ، الجميع شعر بالإهانة ، وكان بمقدور رئاسة الجمهورية أن تحتوي تلك الأزمة وقتها ببساطة شديدة ، وبدون أي تكاليف سياسية داخلية ولا دولية ، كان بوسع الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يدعو مجلس النقابة للالتقاء به ، كما التقى بالفتاة التي تجر عربة البضائع ، وتنتهي الأزمة مع انتهاء احتساء أكواب القهوة ، لأن التقاء الرئيس بالمجلس في العرف السياسي هو تكريم يزيل الإحساس بالإهانة ، ولكن البعض ـ فيما يبدو ـ أصر على المواجهة وعلى خوض معركة كسر العظم والدخول في صراع مفتوح مع الصحفيين وإشعال حريق جديد كان الوطن والنظام والسيسي نفسه في غنى عنه . إن مصر الآن تعاني من أزمات بلا حصر ، سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية ، وهي أزمات تشعل أكثر من حريق ، وتنهك الوطن وتستنزف الدولة ومؤسساتها وأجهزتها ، والوظيفة الأساسية للإدارة السياسية الحكيمة في أي بلد هي العمل على إطفاء الحرائق وليس إشعال المزيد من الحرائق ، واحتواء الأزمات وليس صناعة المزيد منها ، فمصلحتك أن تهدئ الخواطر وتفكك الأزمات وتنزع فتيل الانفجار وتطبع أحوال البلد بعيدا عن التوتر ، لأن هذه الحرائق والتوترات والأزمات تربك النظام وتزيد من الضغوط عليه وتضيف إلى أعبائه السياسية والأمنية وحتى الاقتصادية المزيد من متاعب هو في غنى عنها ، وها هو النظام كله يدفع ثمنا فادحا على المستوى الدولي وضعه في صورة السلطة الغاشمة التي تضطهد الصحافة وتحبس نقيب الصحفيين ووضع النظام نفسه في موقف المدافع عن سمعته ، وكان واضحا في أداء السيسي أمام المذيع البرتغالي عندما واجهه بتلك القضية ثقل الوقائع عليه وهو يدافع عنها أو يحاول تبريرها ، تشعر أن الرئيس يتلجلج ويعتصر ذهنيا ومعنويا وهو يبحث عن الخروج من "ورطة" هذا السؤال ، هذا بالإضافة إلى ما تسببت فيه الواقعة مع اتساع التوتر داخليا وانضمام كتل جديدة هائلة من الصحفيين لصفوف معارضي النظام ومن يتحدونه . الزيارة التي قام بها السيسي للبرتغال ، أساسا لتسويق مصر استثماريا واقتصاديا وإرسال رسائل إلى العالم بأن مصر الآمنة المستقرة تعود إلى طبيعتها ومكانتها ، بما يعني طمأنة المستثمرين والشركات العالمية وإقناعهم بالعمل في مصر والاستثمار فيها ، خاصة بعد الأحداث الملتهبة والخطيرة التي وقعت فيها بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي وتحديات الشرعية التي عانى منها النظام الجديد دوليا وداخليا واهتزاز صورته في مجال حقوق الإنسان والأحكام القضائية الرهيبة التي صدرت تحمل إعدام المئات في جلسة واحدة وسجن فتيات صغار لحملهن "مساطر" فيها شعار سياسي ، فهل يا ترى تلك الحرائق الاعتباطية التي يتم إشعالها ثم البحث عن طرق للدفاع عنها هي التي ستقنع المستثمر الأجنبي بأن مصر هادئة ومستقرة وآمنة وأنها توفر أجواء من الطمأنينة لعمل الاستثمارات الأجنبية بصورة فعالة ومثمرة وواثقة ، هل إشعال تلك الحرائق الاعتباطية يمكن أن يخدم هذه الرؤية أو يدعمها أمام العالم ، هل هناك في مصر فعلا من يعتقد ذلك ؟

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف