أمير شفيق حسانين
المدارس الخاصة بمصر ... والسبوبة الموسمية !!
مُخطئ تمامًا مَن يتصور أن أصحاب المدارس الخاصة بمصر، يغترفون بأيديهم المال الكثير ليشملوا بالخير والنعم ، من يعملون لديهم أوأنهم يجزلون بالعطاء الشاسع الواسع أيدي معلمي تلك المدارس ، إذن فإنه متوهم ومخدوع كل مَن يعتقد أن معلمي المدارس الخاصة يتقاضون أجوراً هائلة تصل لآلاف الجنيهات ، كرواتب شهرية نظير ما يقدمونه من عمل .. وإلا لما لجئوا لزيادة دخلهم بإعطاء الدروس الخصوصية ، لتعويض حالة الحرمان والفقر المالي ، الذي يعانون منه يوماً بعد يوم ، برغم الجهد الكبير الذي يبذله هؤلاء الكادحين لتربية وتعليم وتنشئة الطلاب، بل إن هؤلاء المعلمون يتم وضعهم نُصب أعين الرقابة الشديدة ، حتي لا يتكاسلوا عن مهام أعمالهم أو يهملوها ، بسبب هضم حقوقهم ، فهم يجتهدون في العمل طوعاً وكرهاً ، نظير جنيهات شهرية قليلة ، لا تسمن ولا تُغني من جوع !! ولعله يصيبك الحزن والعجب معاً، عندما تعرف بالفكرة الهشَة التي قامت على أساسها المدارس الخاصة في مصر .. ما الفكرة ؟! يقوم مالك المدرسة الخاصة بعمل اتفاق شفوي بينه وبين المعلمين، وهذا الاتفاق غير صريح القول، وغير مكتوب، لكنه ينص علي أن يعمل المُدرس داخل مدرسته ، متقاضياً ثمنٍ بخس، مقابل أن يتعرف على طلاب من داخل المدرسة ، ثم يتسنى له أن يعطيهم دروساً خصوصية بمبالغ هائلة، وللمُعلم أن يرتضى - مضطرًا- بذلك الاتفاق، أو أن يرفضه، وإذا رفضه، إرتضي به ، غيره من مئات المُعدمين، مساكين الحظ .. فقراء الوساطة .. معدومي المعارف ، من أُولي المناصب الراقية ، ليضعوهم في وظائف مربحة ، مثلما كان الحال .. ولايزال !! وأحياناً يلجأ المُعلم لابتزاز أولياء الأمور، فيحصل منهم على مبالغ مالية كبيرة، مقابل إعطاء دروس منزلية لأنجالهم، وربما يكون المُعلم مُرغمًا على فعل ذلك ، فهو لا يقدرأن يعيش بهذه القُريشنات الهزيلة التي ينتظرها شهرًا بعد شهر في هيئة راتب مدرسي!! ولكن.. أي معلم هذا، الذي يقدر أن يكفي متطلبات معيشته بهذا الدخل القليل، حتى ولو كان أعزبًا !! فهي كارثة واقعة بالفعل، دفعت بالمعلم المصري لقيادة قطار الدروس الموسمية، حتى يجد في جيبه ، نهاية الشهر، ما يقتات منه، وإلا فلا داعي لممارسة تلك المهنة التي ربما تقود أصحابها للفقر والاستدانة، أو سؤال الناس فيقرضونه أو يمنعونه!! ولعلك علي غيرعلمٍ ، بأن بعض مُدراء المدارس الخاصة يأخذون نسبة مالية من إجمالي دخل المعلمين من دروسهم الخصوصية، غير الهدايا والعطايا التي تُمنح لهم كي يُسهلوا للسادة المعلمين إعطاء الدروس، وبالأخص الحصص المنزلية لأبناء الأثرياء، على اعتبار أنها صيد مُربح وسبوبة تغني عن غيرها بكثير!! ولكم أن تضحكوا وتعلو ضحكاتكم ، من مزاعم وزراء التعليم المصري، المتناوبين على مناصبهم واحدًا وراء الآخر، عندما أخذتهم الحماسة الزائفة بإمكانية محاربة الدروس الخصوصية، رغم أنه لا مفر ولا استغناء عنها لمُعلم المدارس الخاصة، وإلا انهدمت الفكرة القائم عليها مشروع المدارس الخاصة، وبالتالي يفشل الاتفاق الموجود بين مُلاكها وبين مُعلميها البؤساء!! فالمعلم يجمع مبلغًا من المال، فيكنزه حتى مجيء الإجازة الصيفية ، فينفق منه على نفسه وأهله.. وكثيراً ما تتولد حالة قلق كبيرة داخل صدور صغار المعلمين مع نهاية كل عام دراسي، لأن الدروس الخصوصية تنقطع في فترة الإجازة الصيفية، بل أحيانًا يزداد الأمر سوءًا لدى بعض معلمي المدارس الخاصة، عندما يقوم أصحاب المدارس بتقسيم موظفيهم في فترة الصيف إلى ثلاثة فرق.. أما الفريق الأول فيتوقف عن العمل ويجلس كل منهم في بيته، دون تقاضي أي راتب حتى بداية العام الدراسي الجديد، وأما الفريق الثاني فهم مستمرون في حضورهم للمدرسة خلال الإجازة، ولكنهم يتقاضون نصف راتب فقط ، الذي يترواح غالبًا بين مائتين إلى ثلاثمائة جنية مصري، أما الفريق الثالث فيكون في الغالب من قُدامى موظفي المدرسة، ويتقاضون رواتبهم كاملةً دون إنتقاص .. مهزلة !! ونحن نُخرج من دائرة حديثنا أباطرة الدروس الخصوصية، الذين صنعوا أسماءً لامعة، واشتهرت سيرتهم، وجمعوا الثروات والعقارات والسيارات الفارهة ... فلا يوجد وجة مقارنه بين مُعلم في بداية وظيفته ، وقد ارتضى بالعمل في مدرسة خاصة ذات أنظمة صارمة ، وبين معلمين آخرين، هم أحسن حالًا من ذلك المُعلم المبتدئ ، المحروم من الإجازات السنوية، ومن أي امتيارات، بسبب أن المدرسة لم تبرم بينه وبينها عقد عمل رسمياً ، فلا تأمين اجتماعي أو صحي له، ومع ذلك فهو يتحمل المعاملة السيئة، وتحكم صاحب المدرسة الصارم ، ويبتسم طمعًا في إرضاء الوجه العبوث لإدارة المدرسة، وكثيرًا تزداد نبضات قلبة هلعًا وقلقًا إذا ما عاقب تلميذاً مشاغباً داخل الفصل ، فلربما يحضر ولي أمره فيطلب من مالك المدرسة أن ينهي خدمة ذلك المدرس - المغضوب عليه - ، فيتم فصله في الحال ..!! فيا لها من ضعوط نفسية ، شديدة البأس ، مقترنه بمعاناة هائلة ، تنتشر آفاتها لتصيب مُدرس المدارس الخاصة، الذي يستقطع من وقته وصحته وأنفاسه لأجل أن يحافظ علي السبوبة الموسمية ، التي هي باب رزق له ولمن يعول ، لكي يظل مستوراً بين الخلائق من وجع البطالة .. ربنا يسلِم من عين الحسود ويبارك في القليل .. ويجعله عامر !!!