المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
النوبة.. وحكومات تصنع المشاكل!
أكاد أقسم، وأجزم، بأن حكوماتنا تتعمد صنع المشاكل والأزمات.. سواء لكى تشغل الناس.. أو تحقيقاً لأهداف أخرى!! وأزمة أبناء النوبة واحدة مما نقول.. كيف؟! بل مشاكل سيناء كذلك.. وأيضاً كيف؟

فى قضية النوبة نجد أن حكومات مصر، من عام 1902 ثم عام 1912 ثم عام 1933.. وكذلك من عام 1965 حاولت أن تفعل شيئاً.. بعض هذه الحكومات نفذت بعض المشروعات لمساعدة المتضررين من بناء خزان أسوان وتعليته مرتين سواء بتهجيرهم من الأراضى المنخفضة إلى أماكن أعلى.. أو بتهجيرهم تماماً من قراهم النوبية التى يزيد عمرها على 4000 عام - ولكن المشكلة ظلت تتفاقم، وتزيد، عاماً وراء عام.. حتى غرقت 45 قرية تحت مياه النيل تماماً وتم تشريد أبناء النوبة الغالية بعيداً عن قرى الأجداد سواء إلى سواحل البحر الأحمر.. أو البحر المتوسط.. أو فى العاصمة المركزية بحثاً عن لقمة عيش شريفة.. وهم من أكثر أبناء مصر شرفاً وعراقة.

وضحى النوبيون بكل شىء. من أجل الأم الكبرى «مصر»، ولكن عندما تجىء الحكومة الحالية وتتجاهل أهل النوبة وتطرح مشروعات للتنمية ضمن مشروع المليون ونصف المليون فدان، فى منطقتى خور قندى وتوشكى للاستثمار والتنمية، وتتجاهل أكثر أبناء النوبة وحقوقهم التاريخية فى أرض الأجداد هنا يجب أن نتوقف.. لماذا؟ لسبب هام للغاية هو أن هناك نصاً دستورياً هو المادة 236 فى دستور 2014 والذى ينص على قيام الدولة بتنفيذ خطة للتنمية الاقتصادية والعمرانية.. بمشاركة أهل النوبة بل فى أولوية الاستفادة منها.. بل إنشاء مراكز ثقافية هناك وقرى للظهير الصحراوى فى هذه القرى.. ثم تتجاهل الحكومة هذا النص.. فمتى نحترم دستورنا.. وهل الذين منحوا شركة الريف المصرى الجديد لم يقرأوا هذا الدستور.

وأبناء النوبة المعترضون لا يطلبون هذه الأراضى مجاناً.. رغم أنهم قدموها طواعية وقبلوا ملاليم - فعلاً ملاليم - عن أراضيهم القديمة هناك وعن تخليهم عن مساكنهم.. بل قبور عائلاتهم.. وعندما قدموا ذلك مقابل هذه الملاليم - وهى أقل مما حصل عليه أبناء عمومتهم من أبناء القطاع الجنوبى من النوبة، داخل حدود السودان - قدموها من أجل مصر.. وعيون مصر.

حقيقة كانت هزيمة مصر فى يونيو 67 من أهم أسباب عدم حصولهم على التعويض الكافى بسبب تخصيص كل شىء لإزالة آثار هذه الحرب ولكن عندما تعرض الدولة هذه الأراضى على غيرهم للاستثمار.. وتتجاهل أصحابها الأصليين. هنا يحق لهم الثورة.. والاعتراض.. والاعتصام.. وهو ما جرى فى الأيام الأخيرة. وحرك الأزمة النوبية، من جديد.. لأنه لم يسلب حقهم التاريخى فقط.. بل يسمح بحصول غيرهم على هذه الأراضى.. فهل فكرت الحكومة فى ذلك.

والمؤلم، بل المضحك أن الحكومة تطبق المثل القائل: تحلف لى أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب. إذ إن رئيس الحكومة المهدنس شريف إسماعيل يعلن عن أولوية أهالى النوبة فى هذه الأراضى.. فهل الذى قرر طرح هذه الأراضى للاستثمار لم يقرأ النص الدستورى الذى يعطى لأبناء النوبة، هذه الأولوية المطلقة.. أم هو يريد أن تخلق أزمة للحكومة.

■■ ومن باب «أهل مكة أدرى بشعابها».. نقول: النوبيون أولى بهذه الأرض، ليس فقط بحق الميراث.. ولكن بحقوق المواطنة والولاء.. والتضحيات التى قدموها على مدى قرن كامل من الزمان.. وأكثر!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف