مدبولي عثمان
غياب رأس المال الاجتماعي ..!!
في لقاء مفعم بالهموم المصرية مع مجموعة من الاصدقاء من مدمني حب مصر . طرح أحدهم سؤالا هو : هل الشعب المصري مستعد للمشاركة في التنمية ؟أم أنه يظل طول الوقت يندب حظه وينتقد الأداء الحكومي. في الوقت الذي لم يفكر مرة واحدة في پأدائه هو سواء داخل اسرته أو في عمله أو حتي أثناء سيره في الشارع.
وتذكرت سريعا قاعدة اقتصادية هامة بأن ¢الانسان هو محور التنمية¢. فهو أداة التنمية وهدفها في الوقت نفسه . فكيف يصنع المصريون تنمية حقيقية والغالبية العظمي من العاملين في الجهاز والمؤسسات والهيئات حكومية لا تراعي ضميراً او قانوناً قي وقت العمل. فهناك الملايين من العاملين يذهبون للعمل للتوقيع في دفتر الحضور ثم يخرجونپ هائمين پفي الشوارع. فمصر تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم التي تمتلئ شوارع مدنها بالناس في وقت ساعات العمل . واعرف كثير من الناسپ يتغيبون عن عملهم بلا مبرر لعدة اشهر متواصلة وتصلهم المرتبات والمكافأت عبر حساباتهم البنكية. بل إن بعضهم تجرأ وقام بتعنيف رؤسائه عندما نقصت المكافأة بضعة جنيهات.
ويشهد بتكاسل غالبية الشباب المصري امتلاء المقاهي ليلا ونهارا في وقت تستعين المصانع في المدن الصناعية بالعمال الأجانب . وتواجهني شخصيا مشكلة البحث عن وظائف لبعض الاقارب والاصدقاء . فعندما وفرت لهم فرص عمل بالمصانع تبدأ ب 1500 جنيه شهريا رفضوا وقالوا ¢ شغل في الحكومةپ يا بلاش ¢ . بل إن أحدهم حاصل علي مؤهل متوسط حدد الاماكن التي يقبل العمل بها وهي شركات البترول أو البنوك أو الكهرباء أو الاتصالات . وكانت إجابتي الصمت حتي الآن .
وعدوي الكسل انتقلت الي القري التي تحولها معظمها من قري منتجه الي قري مستهلكة . يشهد بذلك كثرة المخابز ومحلات فراخ المزارعپ والمحلات التي تبيع الألبان والاجبان المصنعة بالشركات الكبري . واثناء زيارة لقريتي التي تبعد حوالي 2 كم عن القاهرة - أشاهد تزايدا في أعداد المقاهي التي يسهر عليها الشباب حتي الفجر ثم ينامون حتي دون صلاة حتي عصر اليوم التالي . ومرت الايام التي كانت غالبية اهل القرية يستيقظون مع أذان الفجر وبعد الصلاة يتوجهون مباشرة الي الحقل للعمل . وعند أذان المغرب يتهيأ الجميع للعودة للمنزل لتناول العشاء وصلاة العشاء والجلوس للسمر قليلا ثم النوم وهكذا كان يوم الفلاح المصري الذي بنيت علي اكتافه أول حضارة عرفتها الإنسانية .
بل أن قانون العمل المعمول به منذعشرات السنين يساعد علي قلة الانتاجية . ويؤكد خبراء الاقتصاد أن خسائر مصر بسبب الاجازات تتعدي 1.4 تريليون جنيه سنويا. لأن أيام العمل الرسمية في السنة 250 يوما. في حين تبلغ عدد أيام الإجازات للأعياد والعطلات الرسمية والمواسم وبدل أيام الجمع 60 يوما. بينما الإجازات التي من حق العامل 45 يوما ومن حق الموظف في الحصول علي إجازة مرضية يجب ألا تتعدي 60 يوما. وبالتالي يتبقي 85 يوما هي عدد أيام العمل الفعلية. والغريب أن قانون العمل الجديد الذي تم اقراره منذ عدة أيام لم يركز علي وضع آليات لزيادة الانتاجية وتحفيز بل انه للاسف الشديد ركز علي تصفية ملايين العاملين استجابة لشروط صندوق النقد الدولي بمنح مزايا للتقاعد المبكر .
والموضوعية تدفعنا إلي القول بأن العامل المصري يتقاضي أجرا هو الأقل علي مستوي العالم. وقد يكون هذا أحد أهم الأسباب في قلة ساعات عمله. وضعف الانتاجية في ظل انتشار المقولة الفاسدة "علي أد فلوسهم".
وأثناء احتدام النقاش تكلم أحد الاصدقاء وهوحاصل علي الدكتوراه في الاقتصاد ويتمتع بخبرة عملية طويلة ولخص القضية بقوله إن مصر تعاني من غياب رأس المال الاجتماعي. فمصر تعاني من انعدام الثقة بين المواطنين والحكومة . وانعدام الثقة في مؤسسات المجتمع الخدمية والتربوية . وانعدام الثقة بين الافراد وبعضهم البعض إلا فيما ندر. وغياب الشفافيةپ وتكافؤ الفرص وانتشار الفساد والرشوة والمحسوبية وكلها أمراض اجتماعية تنخر في بنية المجتمع وتعوق أي جهد حقيقي للتنمية.
وبالبحث عن الموضوع وجدت أن رأس المال الإجتماعي لا يقل أهمية عن رأس المال المادي .وأتفق تماما مع تعريف الدراسة التي أجراها الباحث أحمد ابو زيد وآخرون ضمن مشروع بحثي لمركز بحوث ودراسات الدول النامية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية أن التنمية الشاملة والمستدامة هي التي فرضت علي الإنسان. أن يعدل من فهمه لرأس المال. ففي عقله رأسمال. وفي روحه رأسمال. وفي نفسه رأسمال. وفي علاقاته مع الآخرين رأسمال. وفي بيئته الطبيعية رأسمال. وحتي في أحلامه وخيالاته رأسمال.
وإن شاء الله نتناول في الاسبوع المقبل أسباب فقدان رأس المال الاجتماعي وكيفية استعادته والمجال مفتوح لمقترحات القراء الأعزاء.