قطعاً الهوة واسعة والفجوة عميقة جداً.. والمسافة كما بين السماء والأرض بين المسئولين الذين يجلسون علي الكراسي الوثيرة في المكاتب المكيفة.. وبين الشعب الكادح المطحون الذي يلهث ليل نهار وراء لقمة العيش.. وحياة كريمة له ولأسرته ولو كانت في حجرة صغيرة.. فلا يمكن لمسئول يعيش حياة البسطاء ويشعر بمعاناة الناس يقول ان صاحب المعاش الذي يبلغ 1200 جنيه لا يستحق بطاقة تموين وان الموظف الذي يبلغ راتبه 1500 جنيه لا يستحق دعم التموين.. لأن الأسرة البسيطة المكونة من الأب والأم وثلاثة أبناء أو حتي اثنين.. لو تناولت الثلاث وجبات فول وعيش.. بلا حزمة جرجير أو عود بصل سوف تحتاج يومياً حوالي 40 أو 50 جنيهاً أي ما يعادل 1500 جنيه شهرياً.. لو كان يجلس علي الرصيف.. وليس في حجرة تتطلب إيجاراً شهرياً لا يقل عن 500 جنيه في حي عشوائي ولا يدفع فاتورة كهرباء أو مياه لا تقل عن 150 جنيها.. ولا يحتاج إلي قرص اسبرين.. ولا علاج ضغط أو سكر اللذين أصابا أكثر من 80% من ال 90 مليوناً.
***
هل يمكن لمسئول استقل يوماً "ميكروباص" أو اتحشر يوماً في المترو فنزل بدون حذاء أو بنصف قميص أو تعرض يوماً لوعكة صحية.. ولم يستطع أن يطرق باب طبيب كشفة يزيد علي ال 200 أو ال 300 جنيه.. ولم يستطع أن يفكر في الذهاب لمستشفي خاص يطلب منه سداد 10 أو 20 ألف جنيه قبل الدخول.. وقصد مستشفي حكوميا فأغلقت الأبواب في وجهه ومات نزفاً وألماً ولم يجد مغيثاً أو مسعفاً.. لو عاش أي مسئول يوماً من معاناة أي مواطن ودارت رأسه.. أو دارت به الدنيا من عجزه عن تدبير مطالب أبناء في مدارس يريدون مصروف مواصلات يومياً لا تقل عن 10 جنيهات لكل تلميذ.. حتي لو ذهب للمدرسة بدون سندوتشات وبقميص واحد طوال العام.. وحذاء أو كوتشي فتح فمه شاكياً من السير والهلاك وعدم الراحة فمن أين يأتي ببديل لراحة الحذاء أو الكوتشي.. وحتي لو قضي العام الدراسي بدون مجموعة تقوية وإن كانت إجبارية حتي في المدارس الحكومية.. وليس دروساً خصوصية فهي فوق طاقة الكادحين من الموظفين الذين يتراوح رواتبهم بين الألف والثلاثة آلاف جنيه.
***
الحقيقة لو كان هناك عدل اجتماعي لجيء بالمسئول الذي يريد رفع الدعم عن صاحب الدخل الذي يصل إلي 1500 جنيه وطلبوا منه أن يعيش بذات المبلغ شهراً واحداً.. قطعاً سوف يصرخ ويطالب بالدعم الكامل لكل من يقل راتبه عن 5 آلاف جنيه.. أما إصدار الفرمانات والاقتراحات من أصحاب السيارات الفارهة والمساكن الضخمة والحياة الرغدة والرفاهية والمكاتب الوثيرة.. ففيها ظلم كبير للبسطاء وأصحاب الدخول التي يطالب مسئولو التموين برفعهم من بطاقات التموين.
***
النقطة المهمة في هذا الصدد ان أكبر مستفيد من دعم التموين هم مافيا السلع والتموين وشركات البطاقات الذكية أنفسهم.. لأن أكثر من 70% من البطاقات فسدت وصارت غير صالحة ولم يستفد أصحابها من الدعم الذي يستولي عليه البقالون والتموين ومافيا السلع.. ولو تم إلغاء بطاقة التموين لكان أفضل مائة مرة للدولة وللمواطن البسيط.. ولو تم توزيع الدعم نقدياً للبسطاء لكان أفضل مائة مرة من المرور بألف وسيلة ووسيط يستولون علي ملايين الدعم ويصل الفتات فقط للبسطاء.
***
التعامل في مكاتب التموين أسلوب غير حضاري وغير آدمي بالمرة.. وفي ظل الحكومة الالكترونية يجب أن يتم التعامل مع مكاتب التموين بأسلوب غير الطوابير والمشاجرات وتمزيق الثياب وزيادة معاناة البسطاء.
أتمني من السيد وزير التموين زيارة واحدة لمكتب تموين المرج أو عين شمس أو الزاوية الحمراء أو أي حي شعبي ليري بنفسه معاناة الناس في مكاتب التموين!!