أحمد السرساوى
الكر والفر.. شمال شرق سيناء!!
إذا سافرت من القاهرة للاسماعيلية.. سيكون أمامك نحو 185 كيلو مترا لتصل إلي العريش بعد عبور كوبري السلام فوق قناة السويس، وسيكون أمامك 50 كيلو مترا اخري تقريبا لتصل لآخر حدودنا الشرقية علي ساحل البحر الأبيض المتوسط عند رفح، وهذه الخمسين كيلو مترا الأخيرة «مسرح العمليات» الحقيقي لجرائم الارهاب.
الطبيعة هنا.. علي هذه الـ 50 كيلو مترا خلابة، جنة الله في أرضه، رغم أنها تبدو صحراوية.. كان مخططا لها منافسة الريفيرا الفرنسية، منها تأتينا ألذ ثمار الخوخ والمشمش والفراولة والكنتالوب في صيف كل عام، واذا سرت علي طريقها الممهد قاصدا رفح ستفاجئك رومانسية الطريق.. زرقة البحر بكل درجاتها عن يسارك، وسهول صحراوية ناعمة تقطعها خضرة النخيل ووداعة الزيتون عن يمينك، لا وجود هنا لأي قسوة حادة في الطبيعة.. الهواء معبأ برائحة اليود والبحر.. لا وجود للجبال ولا الصخور إلا بعد مسافة كيلو مترات خلف السهول، يقول الحكماء إن هذه البقعة تقع في نطاق الأرض التي باركها الله «حول» المسجد الأقصي كما جاء بسورة الإسراء.. فهي لا تبعد عن القدس الشريف سوي 180 كيلو مترا فقط!! والعريش هي عاصمة الشمال، وتُعد أكبر مدينة صحراوية في مصر علي الإطلاق رغم أنها ترقد علي ساحل المتوسط، تزيد مساحتها علي 762 كيلو مترا ولا يسكنها سوي نحو 175 ألف نسمة، وتضم 14 حيا كبيرا ينتشرون حول المدينة القديمة، اضافة الي 4 قري رئيسية تقع في السهول الصحراوية الجنوبية هي الميدان والسكاسكة والطويل والسبيل، وتربطها ببعضها وبالعريش شبكة كثيفة من الطرق الترابية والمدقات لا حصر لها، وتتشابه جغرافية العريش مع رفح المصرية آخر مدينة علي حدودنا الشرقية الشمالية مع قطاع غزة والبحر المتوسط.. بل ومع جغرافية مدينة الشيخ زويد أيضا التي تتوسط المسافة بينهما.. بحر من الشمال وقري في الجنوب وشبكات من الطرق والمدقات تربط بينها وتمتد في الصحراء!! من هذه المدقات والطرق الترابية.. تتسلل العناصر الارهابية ليلا.. فهي مناطق شاسعة يحفظونها غيبا عن ظهر قلب ويعرفونها بالحجر، وتصعب مراقبتها أو سد حدودها ويستغلونها في عملياتهم الارهابية الخسيسة من خلال التحرك ليلا بسيارات الدفع الرباعي أو «الموتوسيكلات».. ومن هنا يقوم أبطال القوات المسلحة بحصدهم بطائرات الآباتشي أو برجال العمليات الخاصة سواء في الهجوم او عند صد اي محاولة ارهابية خبيثة.
ولأنني أزور شمال سيناء باستمرار وعلي فترات قصيرة.. يسألني الزملاء والأصدقاء متي ستتم تصفية هذه الجيوب سريعا؟ ومتي ستنعم هذه الخمسين كيلو مترا بالهدوء والاستقرار؟ لكن الأمر أكثر تعقيدا مما نتصور، لأنه ليس مرهونا فقط بصعوبة الجغرافيا.. بل بمساعدات ضخمة تمد لهم يد العون من الخارج.. نعم لقد حرقت قواتنا المسلحة أصابع كل من يحاول، لكن هذه التنظيمات تحارب معركة البقاء الأخير.. فهي محاصرة بين الجيشين الثالث جنوبا والثاني شمالا وتحاول التسلل حول تجمعات المدنيين في القري والتوابع لأنها تعلم أن عقيدة رجالنا تسمح بهروب مجرم عن أن تصيب مدني بريء.. عقيدة نبيلة قد يرفضها البعض منا.. لكن جيشنا يعتنقها لأن عناصره رجال.
بقي ان نسأل.. هل مازالت هذه التنظيمات الارهابية قادرة علي البقاء؟ ولماذا تنشط الآن في هذا التوقيت بالذات؟
وهناك 3 أسباب مباشرة.. أولا التقرير الأخير الذي أصدرته الولايات المتحدة بمناسبة أعياد الكريسماس وحاجة السائحين الأمريكان للسفر للخارج، والذي تعلن فيه أن مصر من أكثر بلدان العالم أمنا وأمانا.. ثانيا الانفراج السياحي الذي بدأ في «التنقيط» علي مقاصدنا السياحية.. وثالثا محاولة يائسة لتخفيف الضغط علي الجبهة الغربية التي «سنت» لها قواتنا المسلحة «السكين».. وهي الجبهة الجديدة التي تحاول عصابة من خمس دول كريهة فتحها علي مصر.. ولكن هيهات!!