ما أشد العذاب عندما يغترب المواطن في رحلة سفر قصيرة ليعلم قبل عودته أن «الكلمة» في بلده قد تهان ويحبس نقيب الصحفيين وعضوان بمجلس النقابة، بتهمة إيواء صحفيين هددا استقرار مصر عبر الانترنت، وإن كانت تهمتهما الحقيقية هي الجهر بغضبهما من قرار تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية. انتفض القليل غضبا في حين خرت الأغلبية ساجدة، وخرج الكثيرون ليعلنوا أحقية السعودية في الجزيرتين بدون أن يطلب أحد منهم. رأينا قانونيين وخبراء استراتيجيين يسارعون بالتبرع طواعية للنيل من الوطن، وهم الذين يعلمون كم عدد جنودنا الذين استشهدوا هناك.
في رحلة العودة من غربة قصيرة لبلاد الأندلس، صـُدمت بالتغطية الإعلامية لقرار حبس النقيب يحيي قلاش وخالد البلشي وجمال عبد الرحيم، انقسم الإعلاميون، بعضهم قرر الوقوف مع الحق، .والحق أحق أن يتبع حتي لو كان مرا وبطعم العلقم. الممتنعون عن قول الحق اعتقدوا أنهم يحافظون علي الدولة وأمنها.
في رحلة العودة للوطن، وبمتابعة نفس الصحف علي نفس الطائرة، علمت أن نائب عزرائيل عشش في قسم الأميرية، ليقبض روح المواطن مجدي مكين، لا تهمني التفاصيل، ولكن النتائج، لماذا يدخل المواطن القسم علي قدميه – أيا كانت تهمته – ثم يخرج جثة هامدة؟. حدث هذا في الدقهلية والإسماعيلية وأسوان وغيرها. كان حري بزبانية الأقسام أن يقرأوا رواية «نائب عزرائيل» ليوسف السباعي، ففيها قرر قابض الأرواح تأجيل ساعة الرحيل للمدرجين علي جدوله وأوحي لهم بتغيير أماكنهم ليؤجل لحظة دنو آجالهم. الوضع يختلف في داخليتنا، فنواب عزرائيل يسارعون بقبض الأرواح، ويكتبون دائما في دفتر الأحوال: إرهابي وغيبته سكتة دماغية عن الحياة!، لكم اشتقنا لكتيب تعريف بمواصفات المواطن، فهو هكذا حتي تزل قدماه الي داخل القسم، ليتحول بقدرة قادر الي إرهابي.
قبل عامين تقريبا، كانت أمي قبل رحيلها تعوضنا غياب الوطن بمجرد العودة من رحلة غربة بالارتماء في حضنها، فما أقساها لحظة العودة للوطن لا نعيش فيه أسوياء، وقد رحلت عنه الأم.