مازال الدولار يعاند ويتحدي في إصرار عجيب.. بذلنا من أجله الكثير.. عومنا الجنيه ورفعنا الأسعار وتحملنا.. لكنه مازال مكابراً.. كتبنا في الصحف كثيراً نبشر بانهياره وسقوطه لكن الملعون لا ينهار.. ولم يسقط بالضربة القاضية.. بالعكس مازال يلعب في المنطقة الخطرة.. ونسي تماماً أصله وفصله قبل التعويم.. نسي انه كان يدور فيما بين 8 و9 جنيهات لا أكثر.
كل التصريحات الدعائية والمانشيتات الصحفية ثبت انها غير صحيحة.. وها هو الدولار يخرج لسانه للجميع.. تجاوز الـ 17 جنيها ثم اختفي وذهب مرة أخري إلي السوق السوداء.
تقول وكالة رويترز: "لا أحد يعرف سبب القفزة الكبيرة في أسعار الدولار بالبنوك.. واضح ان هناك طلبات كثيرة كانت متراكمة.. هناك أناس مستعدون لشراء الدولار بأي سعر وغالباً هؤلاء مستوردو السلع غير الأساسية".
نعم.. انهم مستوردو السلع غير الأساسية ومن سواهم؟! هم الذين لا يهمهم السعر.. لأنهم سيبيعون بضاعتهم بأي ثمن.. وسيجدون مشترين لا يهمهم السعر أيضاً.. هؤلاء هم المشكلة الحقيقية.. ولا ننسي انه في يوم واحد أعلن اتحاد الغرف التجارية قراراً بالتوقف عن استيراد السلع غير الضرورية لمدة 3 شهور والتوقف عن شراء الدولار لمدة اسبوعين فاهتز عرش الدولار مباشرة.. وتراجع في السوق السوداء من 18 إلي 12 جنيهاً.. لكننا لم نصبر علي التجربة حتي تؤتي ثمارها.. فجاء قرار التعويم في اليوم التالي مباشرة وقرار زيادة أسعار البنزين والمواد البترولية فاشتعلت الدنيا من جديد.
الآن.. لا نعرف حقيقة ما هو مصير قرار اتحاد الغرف التجارية.. شخصياً أشك في انه مازال سارياً.. فقد تغيرت الأجواء وتغيرت الأهداف.. وعاد المستوردون إلي لعبتهم القديمة دون ضابط أو رابط.. عادوا إلي استيراد السلع غير الأساسية التي لها زبون مضمون لا يتعب في الجنيه ولا في الدولار.
لقد حقق الدولار قفزة هائلة أمام الجنيه بمقتضي قرار التعويم وارتفع سعره رسمياً في البنوك من 8.75 جنيه إلي ما يتجاوز الضعف.. والعجيب في الأمر ان هناك إصراراً علي ان الدولار ينهار.. إذا هبط عشرين أو أربعين قرشاً تعالت صيحات الصحف بأن الدولار ينهار.. وإذا صعد بمعدل جنيهين أو ثلاثة ظهرت مبررات جاهزة وبشريات بالانهيار الحتمي الذي سيحدث.. لكن الدولار الملعون يعاند ويتحدي ولا ينهار.
منذ ما يزيد علي شهر ونصف الشهر ونحن نقرأ في الصحف ان الدولار ينهار ويواصل هبوطه.. المواطن المصري فقد نصف دخله والدولار لا ينهار.. الناس عاجزة عن شراء الدواء والدولار لا ينهار.. حتي منتجاتنا المحلية من الفجل والجرجير إلي الكوسة تضاعفت أسعارها والدولار لا ينهار.. الملعون مازال صامدا أو معاندا.
لذلك أتصور ان الحل المنطقي الآن أن نتوقف عن حكاية انهيار الدولار التي لا يصدقها أحد.. إذا كان الدولار يعاندنا فلا يجب أن نعانده.. الأفضل أن نأخذه بالسياسة وبالمنطق والعقل.
كلنا نعرف ان الدولار لن يهبط إلا عندما تكون لدينا موارد دولارية كافية.. وهذه الموارد لا تخرج عن عوائد التصدير وتحويلات المصريين بالخارج ورسوم قناة السويس والسياحة.. هذه هي مصادر الدولار.. وكلها تعاني من عجز شديد لأسباب نعرفها.. فإذا كنا جادين في هزيمة الدولار وتهذيبه ـ ولا أقول انهياره ـ فتعالوا نعالج هذه الأسباب بجدية وحزم.. وتجربة اليوم الواحد ماثلة في الأذهان.. تخيلوا لو كنا سرنا في هذا الطريق وأكملنا المشوار إلي آخره.. ماذا ستكون النتائج؟!
الدولار لن ينهار بالتصريحات والمانشيتات المتفائلة.. وإنما بالتخطيط السليم والتنفيذ الأمين.. فهل نفعل؟!