المصريون
عبد القادر وحيد
الشكل والمضمون.. الانطلاق المأزوم
المؤمن بقضيته يمضي في سبيلها لا يلوي علي شيء ، مهما كانت التضحيات ، لا شك ستكون المعوقات وربما كان الصمود أقوي حينما يكون التحدي من أعداء القضية لكن حينما يكون المعوق من الداخل لا شك سيكون الاستغراق أطول في الحلول. نابليون كان يقول محاربة أكثر من حلف أسهل عليّ بكثير من المحاربة داخل حلف لأنه يعي حقيقة الجدال والمعوقات من داخل الصف. ويأتي الوقوف عند الشكل والمضمون كأكبر عائق في الانعتاق نحو تحقيق الهدف الأسمي من القضية الحقيقية التي يطمح نحوها الجميع وهي الحياة الكريمة التي ينشدها أصحاب الضمائر الوطنية. كثيرا ما تربينا نظريا علي فكرة تجاوز الشكل وتحقيق المضمون ولعل أول ما يتبادر إلي الذهن ما فعله النبي الكريم في صلح الحديبية أو الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة عندما قبّل رأس ملك الروم مقابل إطلاق سراح أسري المسلمين. كان العامل المشترك في القضيتين هو - الفاروق عمر- حينما كان صادق النفس مع نفسه وقال في صلح الحديبية " ما شككت في ديني إلا في هذا اليوم" بينما كان في الثانية هو الخليفة ورجل الدولة فقال : كان حقا علي كل مسلم أن يقبّل رأس ابن حذافة وأنا أولكم" ، لتكشف أن طبيعة رجل الدولة وعقليته تختلف كثيرا عما يفكر به الفرد . الإيمان بالمرحلية وطبيعة الواقع ومستجداته يحتاج حقيقة إلي العقول الكبيرة التي تزن الأمور وتقدرها حق قدرها . بينما تثبت الحقيقة أننا ما زلنا رهن الإيمان النظري والوقوف أمام الشكليات كثيرا والذي ما زال عائقا كبيرا للانعتاق نحو تحقيق الجوهر والمضمون. تطالعنا إحدي الروايات التاريخية التي أدهشت الرحالة ابن جبير في رحلته أنه دخل أسواق الصليبيين فوجد أن قوافل المسلمين تخرج إليهم في حين أن سباياهم أي- أسري الحرب – تدخل إلي بلاد المسلمين ، دون أن تتأثر بالنشاط العسكري ، كان هذا في ظل أكبر خصومة عقائدية بين طرفين في العصور الوسطي علي مدار مائتي سنة والتي كانت بين المسلمين والصليبيين ، ولكن إدارة الدولة كانت أكثر رحابة من الطرفين ولم تقف عند الشكليات. دائما تبهرنا الأحاديث عن الحريات واحترام الحقوق حينما تأتي من الغرب ، والحقيقة أنها حصيلة تراكمية هائلة يجمعها العمل بعقلية الدولة وليس الفرد في القضايا الكبري. فعندما جاءت الحملة الفرنسية إلي مصر كشفت لنا المذكرات التي كتبت لاحقا مدي البغض والكراهية التي كانت بين أكبر جنرالي الحملة " نابليون- كليبر" خاصة ما كان مكتوما من تبكيت سياسي لنابليون من قبل كليبر علي خلفية هزيمته في عكا ، بالإضافة إلي قيام كليبر بصرف رواتب الجند بدلا من إصلاح الأسطول عقب تدميره في موقعة أبي قير الشهيرة ، ما أثار حنقا كبيرا من نابليون تجاه الجنرال المنتظر لقيادة الحملة. بعد أربعة عشر عاما من مقتل كليبر حينما كان يدوّن نابليون مذكراته في منفاه ذكر هذه الحقائق وأنه لم يفكر في أي شخص لقيادة الحملة سوي كليبر لأنه هو الأليق وفعل ما أملاه عليه الضمير الوطني دون تدخل للهوي الشخصي. الثابت والمتغير والشكل والمضمون وفهم حقيقة المرحلة يحتاج إلي وقفة حقيقية من أبناء الحركة الإسلامية للانعتاق من هذه الأزمات التي ما زالت تبرز مع كل قضية ويكون الانشغال بها معوق أساسي للانطلاق ، ولعلنا نتذكر جميعا انشغالنا في فترة من الفترات بقضية الضباط الملتحين ، وغاب عنا ما هو أكبر ، وصار تحقيق المضمون يسير في مسار مأزوم. عبد القادر وحيد

اقرأ المقال الاصلى فى المصريون : https://almesryoon.com/%D9%88%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D9%86%D8%B8%D8%B1/blog/976313-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%83%D9%84-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B6%D9%85%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A3%D8%B2%D9%88%D9%85
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف