ما كانت أغنية الكروان في فجر كل يوم يمر علي الإنسانية أو هكذا فسرها الإنسان أو الذائقة العربية أن تكون بلا معني ؛ فهي أغنية تحمل في طياتها صيرورة حركة الملكية ودوام تنقلها وتوارثها بين البشر مهما اختلفت نظم توزيع الملكية بين عصر وعصر ودين ودين أو حتي تقاليد متوارثة. إن حركة الثورة في العالم حركة ترغب في الاستقرار ومع طول فترات الاستقرار تحتاج عملية تحريكها إلي هزة عنيفة تغير من أساليب التوزيع وتعيد بناء قوي اقتصادية جديدة علها تعود بها إلي الاتزان وهو دور الثورات. ومحاولة تحقيق حلم البشرية المفقود إلي العدالة، تلك القيمة المراوغة والتي يصعب الإمساك بها بين الأب وابنائه وصولاً إلي الحاكم ومحكوميه، والعدالة لا تعني بحال من الأحوال المساواة، فالثانية هي واحدة من القيم الديمقراطية القائمة علي التجرد وعدم التمييز بين البشر في حين أن العدالة تعني في جوهر تحقيقها بالفروق الفردية بينهم وبين العدالة والمساواة وهما وجهان للاقتصاد والسياسة تدور معركة شرسة في مجتمعاتنا الآن. فالثورة في أولي متطلباتها تحقيق الغايتين، والمقاومة الشرسة لتحقيق هذه الأهداف تنبع من عدم الوعي بحركة التاريخ فمطالب الثورة لابد لها أن تتحق فيما يتطلبه ذلك من إعادة توزيع لملك الله علي الأرض وخزائن الأرض وفي كل مرحلة من مراحل تاريخ البشرية تتوزع ثروات العالم طبقا لمعايير وأسس تختلف عن سابقاتها وفي العصر الرقمي وثورة المعلومات وما أفرزته من ثورات مادية علي الأرض وحركات شعبية وهزات اجتماعية عرفت بثورات الربيع يقوم بها شباب في ربيع العمر يمثلون الشريحة العليا من الطبقة المتوسطة التي خلقت لنفسها معايير وقيما خاصة بهم وبنظرائهم في العالم تسودها معايير الحرية والمساواة والعدالة تتمايز في أولوياتها طبقا للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها كل بلد، وإذا كانت الثورة الرقمية وهي في ربيعها تنتج هذه الهزات الاجتماعية الرهيبة التي ضاعت في سبيل تحقيق أهدافها دول وتفتتت أخري، فما الذي ينتظرنا نحن أبناء المنطقة الأكثر تصدعا في العالم في الموجة الثانية من موجات هذا الربيع الرقمي؟! ويبقي مفهوم العدالة الرابط الأساسي بين قيم عالم افتراضي وقيم الواقع » فالعدل أساس الملك » وهو رابط بين السماء والأرض تدخلت فيه كل الكتب السماوية والأديان والعقائد لتضع معايير تفصيلية ونسب توزيع تراها عادلة لأعمال الميراث الفردي فما بالك بالإرث العام فقد نظمت المواثيق الدولية والمنظمات الدولية ودساتير الدول طبيعة العلاقة بين الملكية الخاصة التي يصونها الدستور والقانون ولا يتدخل الحق العام في سبل توزيعها إلا بما يفرضه القانون. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الـسابعة عشرة يؤكد علي أن » كل فرد له الحق في الملكية الخاصة، بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين. لا يجوز حرمان أي فرد مما يملكه بصورة تعسفية » والدستور المصري الذي أُقر في عام 2014 في مادته الـثالثة والثلاثين يؤكد علي أن » الدولة تحمي الملكية، وهي ثلاثة أنواع : الملكية العامة، والملكية الخاصة، والملكية التعاونية ». وإن هذه الملكية الخاصة والتي تحميها كافة الشرائع كيف تتحرك في عمليات انتقال سلسة تحافظ لأصحاب الثروات الكبري علي ما اكتسبوه بطرق مشروعة وتحقق العدالة الاجتماعية لمن حرموا منها خلال سنوات الاستقرار السابقة وتسعي من جهة أخري لتحقيق العدل والحلم لأبناء الطبقة المتوسطة العالمية. وكذلك الإرث الثقافي العام الذي هو جزء من إرث الإنسانية عامة مطالبة بحمايته والحفاظ عليه وإعادة القراءة لاَثار السابقين علينا وعلومهم وفنونهم وإبداعهم المادي وغير المادي جميعها هي ملك لشعوب الأرض علي تنوعهم. وإن كان لأمة بين الأمم أن تفخر بعمق امتدادها التاريخي وتعدد وتنوع ثقافاتها وإبداعاتها في التاريخ الإنساني وقدرتها الدائمة علي التأثير في عالمها ومحيطها الجغرافي فهي مصر وإلي ما تمتلكه مصر من اَثار باقية وحية ومتجددة فدورها في العالم يفوق أي أمة وأي حضارة وأي شعب بين شعوب الأرض وهو الأمر الذي يطمئن هذا الشعب علي دوره الحضاري في مستقبله ومستقبل العالم والبشرية القريب والبعيد، ومهما كانت صعوبة إعادة توزيع الثروة علي النفس الإنسانية فإن مصر سوف تجتاز هذه المرحلة وهذا الاختبار بثبات وعدالة ومزيد من الحرية لتعبر عن نفسها إبداعاً كالكروان.