يوسف القعيد
جامعة القاهرة وجابر جاد نصار
دعاني غالي محمد، رئيس مجلس إدارة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة المصور، لحضور افتتاح معرض للكتب تقيمه المؤسسة في جامعة القاهرة. وقد رحبت فوراً أولاً لكي أزور - بعد كل هذه السنوات - جامعة القاهرة العريقة العتيقة التي يفوح منها عبق تاريخ مصر والوطن العربي والأمة الإسلامية، بل والعالم كله علي مدي أكثر من قرن.
وأيضاً لأن رئيس جامعة القاهرة الدكتور جابر جاد نصار يقوم بتجربة مهمة ليس في قيادة العملية التعليمية وحدها، ولا تأسيس علاقة جديدة بين الأستاذ والتلميذ. ولكن مواجهة التطرف والإرهاب بشكل عملي وشديد الاستنارة والذكاء. تذكرني أخباره علي البعد بما فعله المرحوم الدكتور حسين كامل بهاء الدين عندما كان وزيراً للتربية والتعليم، وقرر أن مواجهة التطرف والإرهاب في عقول المدرسين يسبق أي أهمية أخري. صحيح أن من أبعدهم الدكتور حسين عن العملية التعليمية عادوا لها بعد تركه الوزارة بأحكام قضائية، ولكنها حكاية أخري.
في الزمان القديم وفي جامعة القاهرة تعرفت علي سهير القلماوي، ومصطفي سويف، وعبد المحسن طه بدر، وجابر عصفور، وعلي الدين هلال، وحسن عماد مكاوي، وغيرهم كثيرين. وكان من المفترض أن أذهب للجامعة الأسبوع قبل الماضي ضمن مجموعة مشكلة من قبل لجنة الثقافة والإعلام والآثار في مجلس النواب، لكن ظروفي لم تسمح لي بذلك.
لم يكن معرض دار الهلال هو الوحيد، بل بجواره كان هناك معرض الهيئة المصرية العامة للكتاب. أيضاً فإن نشاط جابر جاد نصار الثقافي في الجامعة لا يقتصر علي معارض الكتب. لكنه سمح لأول مرة باستضافة عروض مسرحية وعروض أفلام سينمائية وإقامة لقاءات مع مفكرين وكتاب وفنانين من خارج الجامعة. وكان هذا يحدث لأول مرة في تاريخها.
وهو يفعل هذا ليس من باب الفعل ورد الفعل. لكنه يؤمن بأن الجامعات هي قاطرة التقدم في الوطن. وهي التي تصل بين الماضي والحاضر وصولاً إلي المستقبل. سواء كان الزمن القريب أو الزمن البعيد. وأن الجماعات التي تدعي أنها إسلامية عندما أفرج عنها الرئيس السادات في سبعينيات القرن الماضي اتجهت أول ما اتجهت إلي الجامعات. وانطلقت منها؛ لأن الجماعة عندما تعمل في الجامعة وتنجح في تجنيد طالب واحد، فإن تأثير هذا الطالب في قريته أو مدينته يصل إلي العشرات من أهله وأقاربه وجيرانه.
بعد افتتاح معرض دار الهلال والتجول بين كتبها ومطبوعاتها ومجلاتها الجديدة التي تؤكد علي الرهان الثقافي الذي يجب أن تدعمه مصر وأن تقف وراءه، والمرور علي جناح هيئة الكتاب والتوقف أمام العناوين الكثيرة التي صدرت في زمن الدكتور أحمد مجاهد رئيسها السابق. واستكمل عمله وأضاف إليه الدكتور هيثم الحاج علي، والدكتور محمود الضبع قبل أن يصبح رئيساً لدار الكتب.
اتجهنا إلي المكتبة المركزية بجامعة القاهرة، التي تعد أقدم مكتبة جامعية في مصر وربما الشرق الأوسط. وقد مرت منذ زمان قديم في زمن الدكتور فاروق إسماعيل عندما كان رئيساً لجامعة القاهرة بمشكلة أن تكون تابعة لكلية الآداب وليست للجامعة كلها. ويومها وكنت محرراً نشطاً في مجلة المصور كتبت عن الأمر، وذهبت إلي المكتبة، وللأسف اكتشفت الأسبوع الماضي أن مشكلة المكتبة القديمة ما زالت معلقة حتي الآن. وأعتقد أن الدكتور جابر جاد نصار قادر علي حلها.
عرفت جابر جاد نصار خلال مناقشات المثقفين مع الأزهر الشريف التي كان يرعاها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. ثم توقفت لأن كل شئ جميل في هذه البلاد لا يمكن أن يستمر طويلاً. لكن إجراءات الدكتور جابر في جامعة القاهرة أكدت رؤيته لفكرة أن كل الأمور تبدأ في العقل الإنساني. لذلك لن تنتصر مصر علي الإرهاب إلا إن بدأت معركتها معه في العقل أولاً وثانياً وثالثاً وأخيراً.
لم أصدق نفسي عندما دخلت الجامعة. من قبل لم تكن الأمور مرتبة كما هي الآن. ومن قبل كانت الفضلات موجودة. كما شاهدت الموقف علي الطبيعة عند هذه الزيارة. والخضرة الكثيفة تعلن عن نفسها. لأن منظومة التقدم واحدة عندما تبدأ لا بد أن تستمر.
أمرٌ واحد قلل من ابتهاجي بالزيارة أن عدد الطلاب والطالبات الذين شاهدتهم يقبلون علي معرضي الكتب -دار الهلال وهيئة الكتاب- كان قليلاً، ربما لأن الوقت كان مبكراً. ربما يزداد الإقبال في أوقات أخري. لكن الطلاب كانوا قلة. ففي جامعة القاهرة آلاف مؤلفة من الطلاب، وفكرة شراء الكتب مهمة، خصوصاً أن الدارين اللتين تعرضان كتبهما توشكان أن تكونا آخر دور النشر المصرية التي تبيع كتاباً رخيصاً في ظل ارتفاع جنوني في أسعار الكتب بحجة تعويم الجنيه في مواجهة الدولار .