الوطن
د. محمود خليل
إسرائيل لم تزل عدونا الأول
قوبلت المساعدات المصرية فى إخماد حرائق إسرائيل بقدر كبير من الانزعاج من جانب قطاع لا بأس به من المصريين، وتقديرى أن ثمة عاملاً مباشراً وآخر غير مباشر تسببا فى هذا الانزعاج. أما العامل المباشر فيتعلق بأسلوب التعامل الرسمى مع الأخبار التى تداولتها وسائل الإعلام الإسرائيلى عن عرض مقبول من جانب مصر للمشاركة فى إطفاء الحرائق، ونقلتها عنها مواقع ووسائل إعلام مصرية. الرسميون المصريون تعاملوا مع هذه الأخبار بأسلوب «الطناش» الذى تبلوره عبارة «لا أعلم». فعندما سُئل المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمى باسم الخارجية المصرية، عن الأمر، رد قائلاً: «ليس لدىّ علم بما نشره المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلى عن أن مصر عرضت المساعدة على إسرائيل فى إطفاء الحرائق». من يعلم إذاً إذا لم يكن لدى المتحدث باسم الخارجية معلومات؟ وهل يُفهم من كلامه أن «الخارجية» ليس لها تدخل فى مثل هذه القرارات التى تُتخذ من سلطة أعلى منها، أو أن الوزارة تعمل بنظام «الانتساب» فيما يتصل بالقرارات المتعلقة بإسرائيل؟! التعامل الفاتر من جانب «الخارجية» شكّل سبباً -فى ظنى- مباشراً للانزعاج، بعد أن اتجه «اللى بيزمر إلى إخفاء دقنه»!.

تعال بعد ذلك إلى السبب غير المباشر الذى يمتاز بقدر كبير من العمق والرسوخ، مقارنة بالسبب المتعلق بأداء «الخارجية»، وهو يتصل بالموقف المصرى الشعبى الثابت برفض تطبيع العلاقات مع إسرائيل. نعم هناك معاهدة رسمية للسلام تربط بين مصر وإسرائيل، لكنها تبقى منذ إبرامها عام 1979 وحتى الآن مجرد ورقة تحدد العلاقات الرسمية بين البلدين، وقد رفض المصريون بكافة أطيافهم تفعيلها على الأرض ليتحول التطبيع الرسمى إلى تطبيع شعبى. ومنذ الثمانينات حرص المسئولون المصريون على التعامل الحذر مع إسرائيل حتى لا يثيروا غضب الناس. ولعلك تذكر المظاهرات التى ظل معرض الكتاب يشهدها لعدة أعوام؛ رفضاً لمشاركة إسرائيل بجناح ضمن فعالياته، حتى أصبح أى وزير ثقافة يحرص كل الحرص على البعد عن هذه الشبهة، وهو أيضاً ما حرصت عليه الجامعات فى مؤتمراتها العلمية، وغيرها من المؤسسات. ولعلك تذكر حالة الانزعاج التى أصابت المصريين من تلك الرسالة التى بعث بها الرئيس المعزول محمد مرسى إلى شيمون بيريز وصدّرها بعبارة «عزيزى بيريز»!.

هل تخلت السلطة عما كانت تتسم به من حذر عند اتخاذ قرارات تتعلق بإسرائيل؟. أظن أن هذا السؤال جدير بالطرح، فمشاركة مصر فى إطفاء حرائق إسرائيل تعنى ذلك بطريقة أو بأخرى. وفى تقديرى أن هذه الخطوة كان من الواجب أن تسبقها حسابات أدق وأكثر اتزاناً، وإذا كان من اتخذ هذا القرار قد نظر بعين الاعتبار إلى مسألة العلاقات الرسمية، فقد كان من الواجب عليه أيضاً أن يأخذ فى الاعتبار الموقف الشعبى والجماهيرى من هذه المسألة شديدة الحساسية بالنسبة للمصريين. إسرائيل لم تزل العدو الأخطر والأكبر بالنسبة للمصريين، وأية محاولات لإحلال غيرها فى هذا المحل لن تجدى، فإسرائيل هى التى قتلت شبابنا المنسحب من سيناء بأجنحة الطائرات عام 1967، وهى التى دفنت أسرانا أحياء، وهى أكبر متآمر علينا منذ أن تأسست دولتها الاستيطانية وحتى الآن.. الحذر من ومع إسرائيل واجب يا سادة..!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف