محمد غزلان
دولة التجار ورجال الأعمال
المسئولون عندنا تخرجوا جميعًا من جامعات ويحملون شهادات عليا وما فوق العليا وبعضهم درس في الخارج في جامعات لها اسمها وشهرتها. إلا أنهم لا يقرأون والنتيجة ما يحدث الآن في بر مصر من شكوي لا تنقطع من صعوبة المعيشة وألم لا ينتهي من ارتفاع الأسعار بلا رحمة ولو كان بعض مسئولينا قد قرأوا الجبرتي أو ابن اياس وعرفوا ألاعيب التجار منذ قديم الأزل وكيف حاولوا بشتي الطرق إفساد خطط الدولة في توفير حياة كريمة للمواطنين لو قرأ مسئولونا كيف تعامل محمد علي باشا مع جشع التجار لما وصلنا إلي هذا الحد من المعاناة اليومية. منذ قديم الأزل والتجار يتحججون بقلة الوارد إليهم من البضائع والسلع والحبوب لرفع الأسعار. منذ بدايات القرن التاسع عشر ولم نكن نعرف الدولار أو اليورو ولم تسمع مصر عن تعويم الجنيه أو إغراقه واللعبة هي اللعبة. لوبي ضخم متعدد الأذرع والأجنحة يغري السلطة بالفساد مقابل ترك أياديهم للعبث في قوت الناس.
اقرأوا ابن اياس والجبرتي واعلموا وتعلموا كيف تعامل معهم محمد علي باشا وكيف قلم أظافرهم حتي يتمكن من إنشاء مصر الحديثة والقوية وقبل أن يعرف العالم ما يسمي بهامش الربح في التجارة. حدد لهم محمد علي باشا هامشًا لا يتجاوزونه وإلا تم مصادرة بضائعهم وغلق محلاتهم ووكالاتهم. هامش الربح هذا الذي تحدث عنه مؤخرًا رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل. إلا أن أباطرة الغرف التجارية أظهروا له العين الحمراء فسكت عن الكلام. غرف تجارة اليوم هي وريثة ما كان يطلق عليه شهبندر التجار. لكل سلعة شهبندر يحدد السعر الذي يراه والمكسب الذي يريده بغض النظر عن معاناة الناس. لقد كانت لعبة التجار في الماضي ومازالت تصريف السلع الرديئة وغير الصالحة أولاً عند الضغط عليهم واللعبة نفسها تمارس اليوم خاصة وأن التجار علي مدار تاريخ مصر المملوكي وفي بدايات عصر محمد علي كانوا يستفيدون تمامًا من وضعية الدولة. في وقت ضعفها يظهرون أنيابهم وفي زمن قوة الدولة يتقربون إلي السلطان ويغدقون عليه الهدايا أملاً في إفساده ليلعبوا لعبتهم المعهودة ويتربحون أضعاف مضاعفة مقابل ما قدموه.
قصة التجار مع السلطة في الماضي وارتفاع الأسعار في الوقت الحاضر تكشف أن الدولة ليست ضعيفة الآن ولكنها مشغولة عنهم بما هو أهم والحقيقة أنه لا أهم من لقمة العيش والتأكد من صلاحيتها ومعقولية سعرها وإذا كان رئيس الوزراء قد سكت عن قصة هامش الربح فإننا لا نعلم كيف يتعامل التجار ورجال الأعمال مع قرار الرئيس السيسي في تشكيل هيئة سلامة الغذاء وهو المشروع المقدم حاليًا لمجلس النواب. تلك الهيئة التي لو خرجت إلي النور بالشكل اللائق. فإنها ستضرب الفسدة من التجار ورجال الأعمال في مقتل. خاصة بعدما سمعنا عن أطنان من الجوافة التي يسري فيها الدود في أحد مصانع العصائر. والطماطم الفاسدة التي عرفت طريقها إلي أحد مصانع الصلصة ولم يكشف عن اسمي المصنعين حفاظًا علي سمعة رجال الأعمال. الدولة يجب عليها أن تتعامل بحزم حتي يشعر المواطن بأنه لم يتم بيعه لأصحاب المصالح والمسئولون عليهم أن يقرأوا ويقرأوا تاريخ مصر الحديثة خاصة فيما يتعلق بالأسواق والأسعار حتي لا تصبح مصر تدار لصالح حفنة من التجار ورجال الأعمال.