المساء
مؤمن الهباء
العائدون..!!
دعك من الشماتة الساذجة التي أبداها البعض في حرائق إسرائيل.. والترويج لمقولة أنها انتقام من الله عز وجل بسبب منع الأذان في القدس والبلدات الفلسطينية.. دعك من هذا المنطق المتواكل الكسول.. فقد مضي زمن المعجزات.. والأمر متروك لسنن الكون وناموسه.. "إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم".. فالشعوب القوية الحية التي تأخذ بالأسباب هي التي تستطيع تغيير أحوالها.. وتنتصر علي واقعها الأليم وعدوها.. أما الشعوب الضعيفة المستكينة المبعثرة فالله جل شأنه لن يكافئها علي ضعفها واستكانتها.
دعك من هذا اللغط الذي ليس من ورائه طائل.. لدينا ما يكفينا من مشاكل تحتاج إلي إعمال العقل والتفكير حتي نتجاوزها بسلام.. فلا تكون سببا في تعطيل وتعقيد حياتنا.
في الأسبوع الماضي تفجرت أزمة أهالي النوبة الذين يريدون العودة إلي ديارهم وموطنهم الأصلي فيما عرف بـ "قوافل العودة".. لكنهم صدموا بأن الدولة وضعت أرضهم ضمن مشروع المليون ونصف المليون فدان في منطقة "توشكي" و"خورقندي".. وعرضتها للبيع.. هم يقولون إن الأرض أرضهم فعلا ولن يشتروها من جديد.. هل يشتري أحد أرضه؟!.. ولن يسمحوا لأحد آخر بالاستيلاء عليها.. ولو من خلال شرائها من الدولة.
الحكومة تفاوضت مع أهل النوبة عن طريق وسطاء.. وأقصي ما عرضته أن تكون لهم الأولوية في تملك الأرض.. واعترضت القبائل العربية التي تعيش قريبة من تلك المناطق علي منطق النوبيين.. واعتبرت مطالبهم عنصرية ولا تتفق مع مبادئ الدولة الوطنية التي تتعامل مع جميع مواطنيها بمعايير واحدة.
وبعيدا عن المنطق القبلي أو المطالب العنصرية فإن الأزمة كان يمكن أن تحل ببساطة وترضي كل الأطراف لو حسنت النيات.. ومازال الحل ممكنا فكل من يمتلك حجة مليكة أو عقودا لأراض أو لبيوت يعود إلي أرضه وبيته ويتسلمها فورا.. ولو كانت هذه الحجة أو العقد من الجد الثالث أو الرابع.. فحق الميراث لا يسقط بالتقادم.. ومعروف أن أهل النوبة تعرضوا لعدة موجات من التهجير منذ بداية القرن الماضي.. من أجل بناء خزان أسوان ثم السد العالي.
ومن لم تكن لديه حجة ملكية أو عقد وثبت نسبه إلي القبائل والعائلات النوبية التي تم تهجيرها.. وهذا يأتي من كشوف المهجرين.. يمنح قطعة أرض مجانا تعويضا له ولأسرته عن الحياة الصعبة التي عاشوها.. بشرط أن يقوم باستزراع الأرض واستصلاحها.. ويبني فيها بيتا للإقامة.. ويمنع عليه بيعها أو المتاجرة فيها لمدة عشر سنوات علي الأقل.
بهذا نضمن تعويض هؤلاء بشكل مناسب.. ونضمن جدية الاستصلاح والاستزراع والتوطين لتخفيف الكثافة في محافظات الوادي والدلتا المكتظة.
وإذا نجحت التجربة ستكون نموذجا نحل به مشكلة أراضي سيناء التي تواجه نفس المنطق عند بيعها.. فأهلنا من عرب سيناء يتصورون أن هذه الأرض ملك لهم وحدهم.. ويقفون بالمرصاد لأية محاولة لاستصلاح واستزراع الأرض وتعميرها.. وبذلك يعوقون خطط التنمية الزراعية وخطط إعادة توزيع الخريطة الديموجرافية في مصر.. لتظل هناك محافظات ومناطق مكتظة ومناطق ومحافظات خالية من السكان.
يجب أن يفهم الجميع أن مصر لكل المصريين.. ومن حق كل مواطن أن يعيش ويتملك أرضا في أية منطقة مصرية.. وهذا هو مفهوم الدولة الوطنية المحكومة بالدستور والقانون والمواطنة.. وليس بمنطق القبيلة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف