نفى المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، صحة ما نقلته بعض الصحف العربية عن وجود عسكرى مصرى على الأراضى السورية، مشيراً إلى أن تلك المزاعم لا وجود لها إلا فى خيال من يروّجون لها، ومؤكداً التزام مصر بمبدأ عدم التدخّل فى الشئون الداخلية للدول. خطوة جيدة وإن تأخرت، لكن أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى على الإطلاق. فمنذ أيام نشرت جريدة «السفير» اللبنانية خبراً عن وجود قوات مصرية بسوريا، ولم يخرج علينا أى مسئول حكومى ليُحدّد لنا حقيقة ذلك، حتى بادر المتحدث باسم وزارة الخارجية إلى نفيه. وثمة ملاحظتان من المهم تسجيلهما على هامش هذا الخبر.
الملاحظة الأولى تتعلق بإيجابية التحرّك الذى قامت به وزارة الخارجية، حين بادرت بنفى هذا الكلام، بعد مرات كثيرة اتسم أداء الوزارة فيها بقدر واضح من البطء فى التعامل مع أخبار لها حساسيتها لدى الرأى العام المصرى. والكل يعلم أن ثمة قنوات ونوافذ إعلامية معادية لسلطة ما بعد 30 يونيو، تحاول ترويج أى خبر ينتقص منها، والمفترض أن «الخارجية» جزء من مركب هذه السلطة، ويفرض عليها ذلك ضرورة التحرّك السريع للتعامل مع أى خبر من هذا النوع، خصوصاً عندما يظهر فى واحدة من الصحف العربية المؤثرة، كصحيفة «السفير». فقد تأخر نفى «الخارجية» له لمدة تقترب من أربعة أيام، وهو وقت طويل، سمح للقنوات الإخوانية بالرطرطة حوله بغير داعٍ. وتقديرى أن الأمر كان سيختلف لو بادرت الوزارة إلى نفى الخبر بمجرد نشره. ما زلت متحفّظاً على حالة البطء من ناحية، وحالة اللاتحديد، من ناحية أخرى، التى تميز أداء «الخارجية» فى مصر إزاء أخبار حساسة، يهم المواطن أن يعلم حقيقة الأمر بالنسبة لها. البطء ظهر فى التعامل مع خبر «القوات المصرية فى سوريا»، وعدم التحديد برز فى خبر «المساهمات المصرية فى إطفاء حرائق إسرائيل».
وتتعلّق الملاحظة الثانية بالموقف المصرى من الأزمة السورية، فحسناً فعل صانع القرار حين نأى بمصر عن الدخول فى المستنقع السورى، وهو مستنقع لا يقل خطورة عن المستنقع اليمنى، الذى رفضت مصر التورط بقواتها فيه، رغم الضغوط التى مارستها المملكة العربية السعودية فى هذا الاتجاه. فالكل يعلم أن تجربة التدخّل المصرى بقوات برية فى حرب اليمن خلال فترة الستينات كانت لها تأثيرات سلبية علينا، وتسبّب فى مشكلات كنا فى غنى عنها. فكما نرفض أن يتدخّل أحد فى شئوننا، فعلينا أيضاً ألا نتدخل فى شئون الغير. من حق الشعب السورى أن يُقرّر مصيره بالصورة التى يرتضيها، ومهما كانت القدرة القمعية لنظام الأسد، فإنه لن يستمر فى الحكم لو قرر الشعب السورى ذلك.
فى هذا السياق اكتفى صانع القرار المصرى بتحديد موقف سياسى مما يحدث فى سوريا، ولم يلتفت إلى حالة الغضب التى سيطرت على منطقة الخليج بعد إعلان مصر هذا الموقف بوضوح.
من المهم للغاية أن يكون القرار المصرى مستقلاً، لكن الأهم أن يتم اتخاذ القرارات وتحديد المواقف فى ضوء حسابات سياسية دقيقة، خصوصاً عندما يتصل بأحداث لا ناقة لنا فيها ولا جمل..!.