المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
حفنة دولارات.. أم معرض الكتاب؟
أكاد أقول إن هناك - من بين مسؤولينا - من يحاول إطفاء نور الحضارة والمعرفة من حياتنا.. وربما من أجل حفنة دولارات يزعمون أنها تدعم أوضاعنا الدولارية.. وما هذه الدولارات إلا مجرد «مصروف جيب» يحصل عليه الواحد منهم، من خلال إشرافه على هذا المعرض!!

وأقصد به معرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى تربت عليه أجيال وأجيال، ليس فقط فى مصر، بل فى كل الوطن العربى.. وهو الأقدم فى المنطقة كلها والأكثر تأثيراً.. ولن أنسى الملايين الذين كانوا يتزاحمون عليه كل عام.. بل «كان» هناك من يدخر كل ما يستطيع، لكى يدخل المعرض العريق ويمضى ساعات، يكررها كل يوم، وهو يتجول بين دور النشر، ليس فقط لكى يحسن اختيار ما يعشق من كتب - جاءته من الشرق ومن الغرب - ولكن ليختلط ويتحاور مع من يلتقى بهم داخل هذا المعرض العتيد، الذى أكد أن القاهرة هى كعبة الثقافة العربية والمعرفة العالمية.. وأنها هى عاصمة النور الأكثر إشعاعاً فى المنطقة.

ولكن هناك - الآن - من يحاول، - بل يعمل على إطفاء هذه الشعلة وإلغاء هذه النافذة الأكثر إشعاعاً.. ومن أجل حفنة دولارات.

الحكاية أن الأرض التى يقام عليها معرض القاهرة الدولى للكتاب تابعة لوزارة التجارة والصناعة.. وربما لأن مهمة هذه الوزارة البيع والشراء.. والبحث عن أى مكاسب مالية.. تحولت هذه الأرض إلى سوق تسعى للربح.. تماماً كما يعانى كل المصريين الآن من جشع التجار.. ونسوا جميعاً أن الثقافة مهمة قومية وخدمة وعمل حضارى.

والمؤلم أن الجهة المسؤولة عن هذه الأرض تزيد الإيجار الذى تفرضه على كل المشتركين من الناشرين،: مصريين وعرباً وأجانب.. وهذا العام قررت هيئة المعارض - التجارية!! - أن ترفع إيجار متر الأرض المربع إلى 178 دولاراً.. تخيلوا للمتر الواحد!.. لكل الناشرين العرب والأجانب.. وكل حلم هيئة المعارض الحصول على مبلغ 8 ملايين!! وهى مشكورة قررت أن يكون إيجار المتر للناشرين المصريين فى حدود 450 و500 جنيه للمتر.. أما الناشر العربى والأجنبى فعليه - مجبراً - أن يدفع 6 أضعاف ما يدفعه الناشر المصرى.. ونسيت كل هذه الهيئات، سواء هيئة المعارض، أو وزارة التجارة والصناعة، أن الناشر العربى يتحمل تكاليف تذاكر السفر وتكاليف شحن الكتب وتجهيزات جناحه.. فضلاً عن تكاليف إقامته بالفنادق المصرية.. وهذه كلها تضاف على أسعار ما يعرضونه من كتب وغيرها.. تماماً كما يتعاملون مع فول التدميس والعدس واللب والتسالى.. فهل هذا يجوز؟!

ويشرح الحاج محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، مخاطر هذا الإصرار الذى يهدد المعرض، ويقول: ربما لا نجد أحداً من الناشرين- عرباً وأجانب - يشترك هذا العام.. وموعده التاريخى هو شهر يناير من كل عام.. والأمل كله ألا يزيد إيجار المتر الواحد على 100 أو 110 دولارات.. ويا ليت إدارة هيئة المعارض تقدم مقابل هذا الإيجار أى خدمات تذكر.. إذ يعجز زوار المعرض عن العثور على دورة مياه نظيفة واحدة.. فى كل أنحاء المعرض الذى يزوره - فى كل دورة - ما يزيد على مليونى شخص يحضرون من كل محافظات مصر.. بل من كل الدول العربية، وغيرها من دول العالم.

وبسبب نقص «كل الخدمات»، يفكر معظم الناشرين فى الابتعاد عن معرض القاهرة الدولى.. وقد يفضلون عليه معارض أخرى فى المنطقة.. فى لبنان مثلاً أو الشارقة، أو أى مدينة عربية أخرى.. مثل الجزائر أو حتى دويلة قطر!! وهناك يقدمون خدمات تفوق كثيراً ما تقدمها مصر.

■ ■ ويجب أن نعرف أن إغلاق هذا المعرض يعنى أن نفقد نافذة كانت تشع كثيراً على المصريين، وعلى أبناء المنطقة.. نقول ذلك لأن صناعة النشر وصناعة الكتاب تتعرض لكارثة محققة، تتمثل فى ارتفاع سعر طن الورق من 8000 جنيه إلى 18 ألف جنيه، وبالتالى يرتفع سعر الكتاب.. ويعجز الناس عن شرائه.. فهل تجىء هيئة المعارض لتضحى بكل ذلك.. من أجل حفنة دولارات؟!

■ ■ ونتذكر هنا أن هذا المعرض ليس معرضاً لهيئة الكتاب وحدها بل هو معرض «لمصر.. الدولة.. ومصر الحضارة..»، ولذلك نلجأ إلى رئيس الوزراء.. وأيضاً إلى رئيس الجمهورية الذى نعلم أنه يحارب فى كل الجبهات حتى تظل مصر هى الرائدة.. رغم كل المحن.

■ ■ وإذا كان صعباً إلغاء هذا الإيجار نفسه.. فلا أقل من تخفيضه، مع رجاء - كل الرجاء - توفير الخدمات ولو كانت فى صورة دورة مياه.. ولا نتحدث هنا عما رأيته - شخصياً - مراراً فى معرض فرانكفورت الدولى للكتاب!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف