عبد القادر شهيب
زواج السياسة والبزنس في أمريكا
عندما انضم عدد من رجال البزنس والأعمال للحكومة في مصر قبل أكثر من عقد مضي طالب كثيرون لمواجهة تضارب المصالح بتطبيق النموذج الأمريكي المعمول به في مثل هذه الحالة وهو النموذج الذي يسمي »المجموعة العمياء».. أي تلك المجموعة المنفصلة عن رجل الأعمال والبزنس الذي يعمل في السياسة وتقوم بإدارة اعمال وبزنسه وشركاته بدلا منه طوال فترة بقائه في السلطة.. فنحن كنا نعتبر أمريكا هي النموذج الذي يتعين أن نحتذي به في الكثير من الأمور ابتداء من قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان وحتي مواجهة تضارب المصالح، أو لمنع ما اطلقنا عليه زواج السياسة والبزنس.
التمييز ولكن كما سقط النموذج في مجالات عديدة، خاصة في مجالات الديمقراطية وحقوق الانسان، فها هو ذا النموذج الأمريكي لمواجهة تضارب المصالح يسقط أيضا.. ولسنا نحن الذين نقول ذلك، بل إن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قال ويقول ذلك.. لقد قال من قبل أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية أن أمريكا التي ترفع لواء المواطنة تعاني من التمييز، والتي تدعو للسلام الاجتماعي تعاني العنف والجريمة والتي تتباهي بحماية حقوق الانسان تدعم والجماعات الإرهابية الأم وهي جماعة الإخوان، بل إن ترامب أتهم أوباما ومعه منافسته هيلاري كلينتون بالمشاركة في تأسيس تنظيم داعش الارهابي .
وبعدما أن انتهت الانتخابات الرئاسية وحقق دونالد ترامب هدفه وفاز فيها وأصبح الان هو الرئيس رقم ٤٥ للولايات المتحدة.. فها هو يضرب قبل أن يبدأ ممارسته لمهام منصبه النموذج الأمريكي الخاص بمنع تضارب المصالح.. لقد أعلن ترامب أنه هو رجل الأعمال الكبير والشهير لن يكون في وسعه تنفيذ نموذج »المجموعة العمياء».. وكل ما سوف يقوم به وهو أن يكلف أبناءه بأمور إدارة شركاته الضخمة والكبيرة والعديدة، والتي يعترف في حديثه مع محرري صحيفة النيويورك تايمز بأن مكانة هذه الشركات والعلاقة التجارية الخاصة بها صارت أكثر جذبا بعد أن انتخب رئيسا.
وعندما سئل ترامب كيف سيبعد نفسه عن إدارة شركاته التي سوف يقوم بها أبناؤه.. كان رده هل المطلوب مني أن أتوقف عن لقاء أبنائي.. وإن كان اضاف انه سيحاول معرفة وسيلة لمعرفة سبل عزل نفسه عن شركاته التي ستدار من خلال أبنائه.. ولم يشر الرئيس المنتخب إلي ذلك النموذج المعمول به في أمريكا وهو نموذج المجموعة العمياء.
وإذا كان ترامب الرئيس سوف يتصرف علي هذا النحو بالنسبة لإدارة شركاته فمن المتصور أن من سيكلفهم من رجال الأعمال والبزنس للعمل في إدارته أن يقلدوه ويتصرفوا بذات الشكل والأسلوب.. أي سوف يتجاهلون بدورهم نظام المجموعة العمياء وسيكلفون أولادهم أو إخواتهم أو أقاربهم بإدارة شركاتهم.. وبالطبع هذا لا يكفي لمنع تضارب المصالح أو الاستفادة من الموقع والمنصب السياسي في أعمال شركاتهم والبزنس الخاص بهم.
لكن هذا يبقي في النهاية شأنا أمريكيا خاصا بالأمريكيين أنفسهم، ولذلك لا يعنينا أن نناقشه أو نبحثه.. وانما الذي يعنينا والعلاقات المصرية الامريكية بعد فوز ترامب خاصة في مجالات السياسة.. فإن أمريكا تفعل ما يحقق مصالحها أساسا واذا كان الرؤساء السابقون لها لم يعترفوا بذلك صراحة، فإن الرئيس الأمريكي الجديد يعترف بذلك.. لقد قال ومازال يقول إنه سوف يفعل ما يراه في مصلحة أمريكا المباشرة، خاصة وأنه سوف يديرها بعقلية ومنهج رجل الأعمال وليس رجل الدولة، وبالتالي سوف يضع في اعتباره.. دوما في كل قرار أو تصرف يتخذه حسابات الأرباح والخسائر المباشرة وليست البعيدة.. ولعل هذا ما دفعه للاعلان عن بناء جدار مع المكسيك لمنع التهريب، والأعلان كذلك عن التصدي لإغراق الصين الأسواق الامريكية بالسلع التي تنتجها، فضلا عن الاعلان إيضا عن التعاون مع روسيا لمواجهة الارهاب في سوريا، ومطالبة الدول الاوربية بدفع نفقات حلف الناتو أو الحماية الامريكية لها.
لذلك.. يجب أن يكف هذا النفر من المصريين الذين يعتبرون أمريكا القدوة والمثل عن مطالبتنا بمحاكاتها في شتي المجالات السياسية والاقتصادية ويلحون علينا في أن نفعل مثلما يفعل الأمريكيون ليس فقط لنكسب رضاها وانما لتحقيق النجاح المرجو سياسيا واقتصاديا.
فها هو ذا الرئيس الجديد ترامب يعلن عن انتهاج سياسة اقتصادية جديدة مغايرة ومختلفة تماما عن السياسة الاقتصادية للرئيس أوباما الذي يستعد لتوديع البيت الأبيض بعد بضعة أسابيع قليلة.. فهل نحاكي هذا التغيير في السياسات الاقتصادية الملائمة والمناسبة لنا والتي تحقق مصالحنا وتضمن لنا معدلا كبيرا للنمو الاقتصادي وأيضا توزيعا عادلا لعائد الناتج القومي.
وها هو ذا الرئيس الامريكي الجديد ترامب يعلن عن انتهاج سياسات خارجية في منطقتنا مغايرة ومختلفة تماما عن السياسات التي كان ينتهجها بالنسبة للدول الموثرة فيها وتحديدا مثل إيران والسعودية.. فهل لكي نحصل علي الرضا العالمي نسير وراء أمريكا في كل تغير في سياساتها الخارجية؟
ياسادة ياكرام.. مصلحتنا ومصلحتنا فقط هي التي يجب أن تصوغ سياساتنا ومواقفنا وقراراتنا.. ولسنا نحتاج لدروس من أحد أو محاكاة أحد.. ولا ننسي أننا أول دولة صنعت حضارة في العالم.. ولا يجب أن تهتز ثقتنا بأنفسنا.