المصريون
شريف قنديل
للجيشِ المصريِّ "الأصيلِ" حبٌّ عربيٌّ خاصٌّ!
بعيدًا عن الاستقطابِ والصراخِ من هذَا الطرفِ، والصياحِ من ذاكَ، وبعيدًا عن النفاقِ والشقاقِ، أقولُ: إنَّ فيلمَ "العساكر" رسبَ فنيًّا، ومنهجيًّا بكلِّ مقاييسِ الدِّرامَا والسياسةِ والكياسةِ أيضًا! شخصيًّا جمعتُ أوراقَ شجرٍ، فِي يومٍ مطيرٍ هناكَ، فِي معسكرِ الجلاءِ، من السادسةِ صباحًا، وحتَّى العاشرةِ، وكلَّما جمعتُ أوراقًا سقطتْ أخْرَى في نفسِ اللحظةِ دونَ أنْ يسقطَ الجيشُ من نظرِي! وشخصيًّا كانَ إفطارِي في ذاكَ اليومِ قطعةَ جُبنٍ، وكسرةَ خبزٍ، لمْ أذقْ أطعمَ منهمَا في حياتِي! وشخصيًّا كنتُ أضحكُ وأنَا أستمعُ لعريفٍ ينادينِي بـ"المخلّة" دون أنْ أشعرَ بأيِّ نقصٍ، أو حقدٍ، قبلَ أنْ يكتشفَ العريفُ أنَّني "مؤهلاتٌ"، ولستُ "عادة"، حيثُ شاءتْ ظروفُ ترحيلِي معَ 12 عسكريًّا آخرينَ أنْ أكونَ الوحيدَ بينهُم "مؤهلاتٍ يا فندم"، قلتُها للعريفِ حينَ سألنِي عنْ سرِّ هندامِي، ومَا إذَا كنتُ نجَّارًا، أو سمكريًّا! أزيدُكَ مِن الشِّعرِ بيتًا، فأقولُ: إنَّ شقيقِي الأكبرَ كانَ حينهَا برتبةِ "رائد، أو مقدم"، جاءَ ليسألَ عنِّي، وفورَ أنْ وصلتُ نهرنِي بعسكريَّةٍ صارمةٍ، وأنَا أمشِى الهوينا، قبلَ السلامِ عليهِ، وعلَى قائدِ المعسكرِ: انتباه عسكريّ! قالَها بجديَّةٍ.. تمامْ يافندمْ، قلتُهَا بالتزامٍ، وأنَا أؤدِّي التحيَّةَ العسكريَّةَ! أريدُ أنْ أقولَ: إنَّ فِي البيتِ المصريِّ الواحدِ قدْ تجدْ جنديًّا، وضابطًا فِي الوقتِ نفسه، وقدْ تجدْ ثلاثَ رتبٍ، أو أكثرَ، أحدهم جنديّ يكونُ مجالاً للضَّحكِ دونَ السخريةِ..فكلُّها شهورٌ ويصبحُ هذَا الجنديُّ طبيبًا، أو صحافيًّا، أو مهندسًا، أو نحوَ ذلكَ يتذكَّر أيَّام "المخلَّة"! لقدْ صوَّرَ الأمرَ قبلَ بثِّ البرنامجِ بأيَّامٍ علَى أنَّه معركةٌ حربيَّةٌ، أو سياسيَّةٌ، يتنادَى إليهَا البواسلُ، والهائمون في حبِّ مصرَ إنقاذًا لجيشِهَا الذِي سيُهانُ، ولكرامتِها التِي أُهدرِتْ! والحقُّ عندِي أنَّ "العساكرَ" البرنامجَ لمْ يُهن الجيشَ، أو يمسّه، وأنَّ الوحيدين الذين أهدرُوا، ويهدرُونَ كرامةَ مصرَ همْ أولئكَ الشتَّامُونَ، الناعقونَ، والمستنفرُونَ للشَّعبِ، والدَّاخلُونَ بهِ فِي مواقعَ وهميَّةٍ، ومعاركَ وهميَّةٍ، وملاحمَ وهميَّةٍ! كلُّ مَا قِيلَ فِي فترةِ التجنيدِ يعرفُه المصريُّونَ جميعًا، ويتعايشُونَ معَهُ بحبٍّ عندَ الحربِ، وبمللٍ مشروعٍ فِي بقيَّةِ الظروفِ، قدْ يصلُ إلى سأمٍ، لكنَّه أبدًا لا يصلُ إلى عداوةٍ، أو كُرهٍ! وبالإضافةِ إلى ركاكةِ المشهدِ، وخطأ بعضِ المعلوماتِ من قبيلِ السؤالِ عن الميولِ الجنسيَّة، مضَى الفيلمُ فِي فشلٍ فنيٍّ واضحٍ، وفشلٍ منهجيٍّ أوْضَح، فيمَا يصرخُ هذَا مطالبًا بالثَّأرِ، وذاكَ مطالبًا بالحربِ! "العساكرُ" لمْ يقزِّمْ مصرَ، ولمْ يُهنْ جيشَ مصرَ العبورِ والاستنزافِ.. النكسةِ والصبرِ والنصرِ!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف