الأخبار
محمد السيد عيد
خواطر حول الجيش والتجنيد
خاطرة أولي : في منتصف عام 2000 ذهبت إلي إحدي الدول الشقيقة لتدريب العاملين في إذاعتها. كان الفندق يقدم لي الصحف المحلية كل صباح. لاحظت أن الموضوع الذي يثير الجدل في الصحافة آنذاك هو موضوع التجنيد الإجباري. أدهشني أن الكثيرين يرفضونه. أذكر أن أحدهم قال : لماذا نريد أن نعلم أبناءنا الذل، ونفرض عليهم الحياة العسكرية الخشنة إذا كنا نستطيع أن نأتي بمن يقومون بهذه المهمة نيابة عنا ؟
خاطرة ثانية : كان صديقي المخرج الإذاعي الراحل باهر النحال يعمل في دولة أخري شقيقة ليس بها تجنيد إجباري، وتعتمد علي الباكستانيين لحد كبير في كل ما يتعلق بجيشها. وأرادت قواتها المسلحة أن تنتج فيلماً سينمائياً دعائياً يبين قدراتها، واختاروا الأستاذ باهر ليكون مسؤولاً عن الجانب الصوتي للفيلم. ذات يوم ذهبوا لتصوير أحد العسكريين من أبناء هذه الدولة وهو يقوم بتحريك صاروخ معين، وإذا بهذا الشخص لا يستطيع أن يفعل أي شيء، وانتهي الأمر بأن جاءوا بمقاتل باكستاني، وألبسوه ثياب الجيش الوطني، وصوروه وهو يحرك الصاروخ.
خاطرة ثالثة : عرفت مصر التجنيد منذ العصر الفرعوني، وحين وحد مينا القطرين وحدهما بجيش من المصريين وليس بجيش من المرتزقة.
خاطرة رابعة : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: » إذا فتح الله عليكم مصر ؛ فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً ؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال أبو بكر : ولم يا رسول الله ؟ قال : لأنهم وأزواجهم في رباط إلي يوم القيامة »‬.
خاطرة خامسة : في نهاية العصر الأيوبي جعل السلطان نجم الدين أيوب المماليك قوام جيشه، وبعد وفاته مباشرة قتل المماليك ابنه تورانشاه، واستولوا علي الحكم، وكونوا الدولة المملوكية، وأبعدوا المصريين عن الجيش ليضمنوا الدوام لحكمهم.
خاطرة سادسة : في العصر الحديث قرر محمد علي باشا الاعتماد علي المصريين ليكونوا قوام الجيش المصري، وفرض التجنيد الإجباري. خلال سنوات قليلة فتح هؤلاء الجنود المصريون اليونان والسودان وبلاد الشام وكانوا علي مسيرة يوم واحد من الآستانة عاصمة تركيا. لكنه قبل هذا كله قام بمذبحة القلعة للتخلص من المماليك المرتزقة.
خاطرة سابعة : الجيش المصري الذي شرفت بالانضمام إليه عام 1969 مجنداً بدرجة رقيب مؤهلات، وقضيت فيه خمسة أعوام كاملة، تعلمت فيه الانضباط والالتزام. مررت فيه بظروف قاسية في التدريب استعداداً للحرب لكن كنا نقول لأنفسنا كلما أحسسنا بقسوة التدريب : إن العرق في التدريب يوفر الدم أثناء المعركة. وبالفعل وفرنا دماء كثيرة حين دخلنا المعركة. نمنا في الملاجئ، وأحياناً كنا ننام في العراء، واكتفينا طوال اليوم بزمزمية مياه واحدةً، وغسلنا ثيابنا بأيدينا، لكننا لم نتذمر، ولم نر في ذلك إهانة، لأننا كنا علي استعداد للتضحية بأي شيء مقابل تحرير الوطن، وفي النهاية انتصرنا.
خاطرة ثامنة : الجيش المصري يخوض حرباً شرسة الآن في سيناء في مواجهة الإرهاب، وفي كل يوم يقدم المزيد من الشهداء، ورغم هذا فإن الجنود يتسابقون للخدمة في سيناء، لأنهم يرون في الشهادة دفاعاً عن أهلهم ووطنهم شرفاً تهون أمامه الحياة
خاطرة تاسعة : حين شارك الجيش المصري في حرب تحرير الكويت لم يشارك باعتباره جيشاً من المرتزقة، لكنه شارك من منطلق الإيمان بالعروبة، وبحق الكويتيين في العيش علي أرضهم بسلام.
الخاطرة العاشرة : الذين يعتقدون أن الجيش المصري سيأتمر بأوامر من دفعوا له أخيراً ثمن بعض الأسلحة مخطئون. الجيش المصري لديه رؤية استراتيجية، ولا يستطيع أحد إجبار القيادة المصرية علي فعل ما يريد. وكلنا نعرف أنه رفض أن يحارب في عصر الإخوان ضد الجيش السوري، فهل يستطيع أي إنسان غير مصري إجباره علي فعل ما لا يريد ؟
الخاطرة الحادية عشرة : الذين يرون أن حياة الجندية إذلال لا يعرفون معني الجندية، وسيدفعون الثمن غالياً ذات يوم.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف