عباس الطرابيلى
تشخيص وعلاج لمن يقرأ! (1-2)
الحوار الذى أجرته «المصرى اليوم»، أمس وأمس الأول، مع الدكتور أحمد بهجت يجب أن يقرأه كل مصرى.. وفى المقدمة «كل» أعضاء الحكومة.. إن كان فيها من يقرأ.. ومن يقرأ يفهم.. ومن يفهم يتعظ ويتعلم.. أم يا ترى ينطبق على هؤلاء أننا شعب لا يقرأ.. وإذا قرأ لا يعمل؟!
وهو حوار يضع الحقيقة أمام الجميع.. فيه روشتة تحديد الأمراض التى نعانى منها.. وفيه أيضاً وصف للدواء، الذى ينقذنا من الضياع.
ولقد نجح الأستاذ محمد السيد صالح، رئيس تحرير «المصرى اليوم»، والزميلة وفاء بكرى، فى الغوص فى أعماق رجل أعمال له تجربته التى لا يجرؤ أحد على تجريحها مهما كانت أهواؤه.. وربما مخططاته.. وغالباً سمومه!! وكأن هذا الحوار وضع أصابعه كلها على ما فى الجسد المصرى من جراح وقروح.. ربما لم يجرؤ أحد على الغوص فيها - كما غاص د. أحمد بهجت - فالرجل يملك فكراً غير تقليدى النظرة. وهذا ما نريده.. إن أردنا فعلاً أن نحل مشاكلنا.. لأن أغلبها مشاكل غير تقليدية. وبالتالى تحتاج فكراً غير تقليدى النظرة.. وغير تقليدى فى أسلوب العلاج.. وهو هنا يقترب كثيراً - وكثيراً جداً - مع أفكار كاتبنا الرائع «نيوتن» وربما يقتربان أكثر مع الجرأة والصراحة.. والحقيقة التى يفكر بها كل منهما.
ولا تقولوا لنا إن هذا كله معروف.. بل سبق طرحه من أفكار.. ولكن روعته تكمن فى الجمع بين دقة التشخيص.. وقدرة وصف العلاج.. بل وتحديد أسلوب العمل.. وهذا راجع إلى التجربة غير العادية التى مر بها الدكتور أحمد بهجت.. الذى نالته سهام التجريح.. أكثر مما سمع من كلمات المديح.. وربما الشىء الذى لم يذكره هو دور الشعب فى تقبّل العلاج.. لأن الحكومة مهما فعلت لابد من دور حيوى للناس.. حتى ينجح العلاج.. وحتى يشفى المريض.
والخطوة الأولى للعلاج، كما قال الدكتور بهجت، هى تقييد الاستيراد.. بمبلغ 20 مليار دولار.. بدلاً من 80 ملياراً. وضرب مثلاً بصمود الشعب بين عامى 67 و1973 - أى بين الهزيمة.. والانتصار - وكيف تقبل الشعب هذا التقشف وحدث كل هذا وسط حالة من الاستنفار العام. فقد اتحد الجميع لمواجهة النكسة بجدية.. إذ كان هناك هدف واضح.. وأرى «وهذا من عندى» أن حالتنا الآن أسوأ مما كانت أيامها.. وقالها صريحة إن الشعب لن يموت جوعاً إذا منعنا عنه 20 أو 30 نوعاً من الجبن.. ولماذا لا نكتفى بالجبن الأبيض والرومى ويكشف أبعاد ملهاة الجبن قائلاً إن الجبن الريكفور موجود الآن فى الجمعيات الاستهلاكية!!
وقالها بعبارة واضحة: أنت راجل مفلس وتستدين من كل جيرانك.. وليس أمامنا إلا شد الحزام.. وكيف يتحقق ذلك وعندنا 5000 مصنع مغلق، أى أن الحل فى التصنيع المحلى لتغطية الاستهلاك.