المصريون
جمال سلطان
مراجعات سعودية مهمة مع عواصم الربيع العربي
تشهد تونس أمس الثلاثاء واليوم وقائع المؤتمر الدولي للاستثمار الذي ينعقد تحت شعار "تونس 2020"، ويهدف المؤتمر للحصول على شراكة من المجتمع الدولي في مشروعات استثمارية تساعد الاقتصاد التونسي على النهوض وتساعد ـ بالتالي ـ التجربة السياسية الديمقراطية الوليدة في تونس على الثبات والنجاح، باعتبارها النموذج الوحيد من الربيع العربي الذي أفلت من العنف والانقسام الأهلي أو حتى الدموي، وقد شارك في المؤتمر عدد من رؤساء وقادة الدول ورؤساء الوزارات وممثلون عن البنوك الدولية، فحضر أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الوزراء الجزائري، عبد المالك سلال، ورئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس، ومن تركيا حضر نائب رئيس الوزراء أنور الدين جانيكلي، ووزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، كما حضرت وزيرة الاستثمار الكندية ماري كلود بيبو، ومن رجال المال والبنوك حضر فرنر هوير رئيس البنك الأوروبي للاستثمار (BEI)، طوني أيلومالو رئيس صندوق طوني أيلومالو، حافظ غنام نائب رئيس البنك الدولي (BM)، ألان بيلو نائب رئيس البنك الأوروبي للبناء والتعمير (BERD) وغيرهم. وحسب المعلن حتى الآن فقد نجح المؤتمر في تحقيق حد معقول من الضمانات الدولية للمشاركة في أكثر من مائة وخمسين مشروعًا تنمويًا وأخرى متعلقة بالبنية التحتية، وإن كانت الحصيلة النهائية لم تعرف بعد بشكل دقيق. حصلت تونس على دعم وشراكة من البنك الأوروبي ومن البنك الدولي ومن فرنسا وإيطاليا بشكل أساسي، ومن تركيا حيث حصلت على ضمانات بقرابة 300 مليون دولار من الحكومة التركية، لكن الشراكة العربية هي الأكثر أهمية، سواء من الناحية الاقتصادية أو من حيث دلالتها السياسية على رياح التغيير في المنطقة العربية. المفاجأة قدمتها دولة قطر بإعلان أميرها منح تونس مليارًا ومائتين وخمسين مليون دولار، ولا يعرف تفاصيلها حتى الآن، سواء كانت شراكة استثمارية أو هبات، ثم أعقبتها الكويت بتقديم خمسمائة مليون دولار، لكن المفاجأة الأكبر والأهم في تقديري هى الحضور السعودي في المؤتمر، وتعهد السعودية على لسان يوسف البسام رئيس الصندوق السعودي للتنمية، بدعم تونس بمبلغ 800 مليون دولار منها 100 مليون دولار هبة بثمانمائة مليون دولار، هبة لا ترد لترميم وتطوير مدينة القيروان التاريخية، ونصف مليار للاستثمارات ومائتا مليون دولار لدعم الصادرات التونسية، الحضور السعودي لا تتوقف قيمته عند حد العون الاقتصادي لدولة عربية وحسب، وإنما دلالته في التصالح السياسي بين الرياض وبين تونس عاصمة الربيع العربي، الدولة التي شهدت أول شرارة فيه وألهمت بقية دوله بالأمل في التغيير والإصلاح، ومن المعروف أن تونس هي التجربة الوحيدة تقريبا في دول الربيع العربي التي تقوم على المصالحة الوطنية والشراكة بين مكونات المجتمع السياسية، ليبراليين ويسار وإسلاميين، رغم ضغوط إقليمية عنيفة لإقصاء الإسلاميين، وهذا مؤشر أعتقد أنه بالغ الأهمية في مراجعات سعودية مهمة في سياساتها العربية والإقليمية. لا يخفى أن السعودية بدت قلقة من الموجة المفاجئة للربيع العربي التي تفجرت مع مطلع العام 2011 والتي أدت إلى انهيار أكثر من نظام عربي كانت له علاقات جيدة مع المملكة، مثل مصر وتونس واليمن، كما كانت مواقف رعناء لقطاع من التيار الإسلامي سببًا في زيادة توتر السعودية والخليج بشكل عام من التحولات الجديدة الغامضة للربيع العربي، ما أدى إلى موقف متحفظ في بلاد وفي مناطق أخرى معادي لما يحدث، غير أن العواقب التي نتجت عن محاولات إجهاض الربيع العربي كانت أسوأ بكثير من المخاوف من أخطاء أو أخطار الممارسات للنظم الجديدة، كما كانت النماذج التي ورثت إجهاض الربيع أشد خطورة على الأمن القومي العربي بكامله والخليجي بصفة خاصة، وكان ذلك واضحًا تمامًا في تجربة اليمن، كما كان واضحًا في المسار الليبي، وبطبيعة الحال نعلم تطورات العلاقات السعودية المصرية الحالية، هذا إذا استثنينا التجربة السورية التي فاقت كل خيال في وحشية نظام بشار وتدميره البلاد بالكامل وفتحها للاحتلال العسكري الإيراني والعراقي واللبناني والروسي إضافة إلى منظمات إرهابية متعددة، كما كان للسعودية موقف متحفظ على التجربة التونسية الجديدة، وقد استضافت السعودية زين العابدين بن علي، الرئيس الأسبق والذي لجأ للرياض بعد أن قامت عليه الثورة، ومن هنا فإن عودة السعودية إلى تونس من جديد، ودعمها القوي لحكومتها التي تقوم على شراكة إسلامية يسارية ليبرالية، وتتمسك بأشواق ثورة الإصلاح، يعطي مؤشرًا مهمًا على أن السعودية بصدد طي حقبة سياسية وفتح صفحة جديدة مع عواصم الربيع العربي، وقد لوحظ في مؤتمر تونس أن الإمارات هي الدولة الخليجية الوحيدة تقريبا التي غابت وهو ما يؤشر إلى بدايات عزلة سياسية لها حتى في الخليج بسبب مواقفها المتطرفة تجاه دول الربيع العربي.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف