سبق وكتبت هنا عن الحياد الإعلامي، وانتهيت إلى استحالة الحياد فى الإعلام، اليوم نناقش دلالة الحياد، معناه المعجمي والحياتى، بين ما ينبغى أن يكون الحياد، وبين الواقع الذى نعيشه، ليس فى مصر فقط بل وفى جميع البلدان، ولنبدأ بالمعاجم، فى معجم المعاني: حايد الشَّخصَ: جانبه، مال عنه، حايَدَهُ: كفَّ عن خصومته، وفى لسان العرب: (مادة: حيد): «حاد عن الشيء: مال عنه وعدل، بمعنى: عدم الميل.
وفى الاصطلاحات السياسية، الحياد بمعنى: عدم الانحياز أو عدم الميل لطرف من الأطراف، وفى الإعلام بمعنى: الموضوعية وعدم الميل.
وماذا عن الحياد خارج المعاجم والكتب؟،
عندما تسأل بعض الإعلاميين، والكاتب، والمثقفين، والسياسيين عن «حياد»، تكتشف أنه يختلف تماما من فريق إلى آخر، وستفاجأ أن هذه الفئات يمكن اختزالها فى ثلاث جبهات(جبهة بالمعنى السياسى والأيديولوجي)، جبهة حكومية، وجبهة معارضة، وجبهة مترقبة، وكل فريق يفسر الحياد بمعناه الإعلامي وبما يتوافق ورؤيته السياسية، الفريق الحكومي(وهو عريض: سياسيون، وإعلاميون، وبرلمانيون، وفنانون، وكتاب، وغيرهم) يرى أن الحياد هو الرواية الرسمية للنظام، لأنها الرواية الحقيقية، كما أنها رواية الأغلبية.
الفريق الثاني، المعارض، يرى أن الحياد هو نقل أحداث وأخبار وروايات المعارضة، وأن تقوم القنوات بالتركيز على سلبيات وفساد الروايات الرسمية والشخصيات الحكومية، وتجاهل روايات المعارضة، أو نقلها من خلال رواية النظام الحاكم يعد تبعية، ويجعل من هذه القنوات وملاكها وإعلامييها مجرد أبواق حكومية، وأدوات للأجهزة الأمنية
الفريق الثالث: المستقلون أو المترقبون، يفسرون الحياد بعدم التبعية أو الانجرار أو الانحياز أو الميل لطرف من الأطراف، ونقل الصورة كما هى بدون رتوش أو تدخل أو تأويل أو مبالغة أو تهوين أو تسطيح أو تسفيه أو تجاهل.
وللأمانة المعنى الأخير للحياد لا يمكن تحقيقه بحال، أولا: لأن الذين يتبنونه لا يعملون به عندما يتولون السلطة، ثانيا: استحالة تطبيقه في أى قناة، وفى أي نظام، وفى أي بلد لأن الحياد، على سبيل المثال فى الإعلام، مثله فى السياسة، والعقيدة، والمذهب، والأيديولوجية، من الصعب ضبطه والتحكم فيه، لا حياد عند دخول البلاد فى خصومة مع بلد آخر، ولا حياد فى تنافس حزب مع حزب، ولا حياد عند اختلاف ملاك القنوات أو الصحف، ولا حياد عندما تقع خصومة بين الإعلامي أو الصحفي وأحد المسئولين، ولا حياد فى القنوات الحكومية، ولا حياد في القنوات المعارضة، ولا حياد فى القنوات الدينية المذهبية، ولا حياد فى القنوات العرقية.
وتأكيدا لما نرى التشريعات الحكومية(في أى بلد) تفصل قوانين الإعلام وحرية التعبير بما يتوافق والحياد الذى يحمى النظام ومؤسساته وعقيدته ومذهبه وأيديولوجيته، المواد لا تسمح بقنوات أو جماعات أو أحزاب أو تشكيلات أو غيرها تناهض نظام الحكم، أو ديانته، أو مذهبه، أو قياداته، أو أيديولوجيته، وتسن المواد التى تصنف هذه الجهات فى خانة الجرائم المناهضة لنظام الحكم، وتشكل خطرا على الأمن القومي، وتحرض على الفتنة والصراع الطائفي والطبقي.
أغلب الظن أن كلمة حياد لا معنى أو وجود لها خارج المعاجم اللغوية، ودلالتها معجمية فقط، وأن الحياد (الإعلامى، والسياسى، والعقيدى، والمذهبى ..) هو حياد الأغلبية الحاكمة، بمعنى آخر: هو الحياد بالمعنى الحكومي الرسمي.