الوفد
عباس الطرابيلى
هل نسينا.. تاريخنا؟
يؤلمنى جداً أن أسأل مصريا ـ ونحن نقترب من أحد تماثيل القاهرة ـ هل تعرف اسم صاحب هذا التمثال الذى كرمته الأمة المصرية؟.. فيكون الرد وفيه بعض الاستخفاف: لأ.. وأنا مالى!!. فإذا قلت: هذا سعد زغلول فيرد: كان بيبيع إيه؟ فإذا اقتربنا من تمثال أحمد ماهر عند كوبرى الجلاء وسألت غيره.. قال: يا عم هو أنا مدرس تاريخ. ومرة كنت فى ميدان مصطفى كامل وسألت مواطناً، هل تعرف هذا الشخص الذى يشير لنا ويدلنا على الطريق.. فيجىء رده.. يا عم هوه أنا لاقى آكل.. ومرة سألت سيدة وأنا أشير الى تمثال طلعت حرب، وقلت لها إن هذا الرجل استطاع أن يوفر مئات الألوف من فرص العمل فى المصانع التى أنشأها وقامت على كتفيه، هل تعرفينه؟.. قالت ليه هو كان محافظ!! وحمدت الله أننى لم أسأل مصرياً عن تمثال محمد بك لاظ أوغلى.. فى الميدان الشهير باسمه.. إذ خشيت أن يرد: مش ده برضه كان وزير الداخلية!! أو أسأل أى مواطن سكندرى عن تمثال نوبار باشا أمام المسرح الشهير هناك فيرد: أعتقد أنه كان ممثلاً مسرحياً ولهذا وضعوا تمثاله أمام هذا المسرح الشهير!!
أو سألت مواطناً يقف فى ميدان التحرير: ماذا تعرف عن تمثال عمر مكرم؟ فخشيت أن يرد: ده بيرشدك الى الجامع حيث سرادقات العزاء.. وحمدت الله أننى لم أسأل عن التمثال الذى كان قائماً مكان تمثال طلعت حرب، وأقصد به تمثال سليمان باشا الفرنساوى، وقلت له إن اسمه الأصلى هو الكولونيل أوكتاف جوزيف انتلم سيف المولود فى مدينة ليون الفرنسية، وهو الذى أنشأ أول جيش مصرى عصرى أيام محمد على باشا الكبير.. ثم أسلم وأصبح اسمه سليمان باشا الفرنساوى، وعاش فى مصر ودفن فيها عام 1860 فى مصر القديمة فى المنطقة التى تعرف باسم الفرنساوى، بعد مدرسة الفسطاط الثانوية، تحت قبة خشبية عليها سور من حديد.
<< وأتألم أكثر عندما أمر بأحد شوارع القاهرة: ثروت. شريف. عدلى. عماد الدين والألفى وسليمان الحلبى. ولا أجد أحداً يعرف شيئاً عن واحد من هؤلاء.. وأتعجب: هل هذا بسبب التعليم. وأننا كنا نحترم فقط تاريخ الحكام.. ولا نتذكر كثيراً أسماء الزعماء.. وهل السبب هو أن نظامنا التعليمى ليس كافياً لكى نتذكر الذين قادوا نضال هذه الأمة ورحلوا بعد أن نجحوا فى إشغال الثورة والتنوير بين الناس.. أم هى يا ترى مشاكل العصر من جرى وراء لقمة العيش والبحث عن عمل أو وظيفة.
<< أم أن المصرى «زمان» كان يقدّر ويعتز بتاريخ زعمائه ويخلدهم بدليل أن كل هذه التماثيل قامت بتبرعات وقروش الناس البسطاء الذين عرفوا أفضال هذه الشخصيات على الوطن.. وأن المصرى هذه الأيام بات أهم شىء فى حياته البحث عما يجعله قادراً على استمرار الحياة.. أم يا ترى أصبح المصرى أسيراً لما يجرى هذه الأيام.. ونسى تاريخه هذا إن كان بالفعل قد تذكر هذا التاريخ يوماً ما؟!
<< وأعترف أننى عندما أصدرت كتابى «شوارع لها تاريخ» عام 1996 كان هدفى أن أعيد كل هؤلاء إلى الذاكرة القومية لكل المصريين، ولكننى وبسبب كل ما جرى فى السنوات الأخيرة أرى أننا ـ كلنا نحن الشعب المصرى ـ نحتاج الى دروس فى التاريخ.. بل فى القومية لأن كل واحد من هؤلاء ناضل وكافح من أجل هذه القومية المصرية.
<< نظامنا التعليمى.. وهموم الحياة اليومية.. ولقمة العيش وراء كل هذا الجهل بالتاريخ المصرى الحديث.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف