يبدو أننا سندفع غالياً وطويلاً ثمن انتخاب البرلمان بنظام القوائم لأنه جاء بنواب يدينون بالولاء لمن اختاروهم وفرضوهم علي المواطنين حتي ولو لم يكن لهم صلة مباشرة بدوائرهم.. كثير من نواب البرلمان الحالي تم انتقاؤهم »علي الفرازة» في مكاتب مكيفة بالقاهرة وقيل لهم »مبروك عليكم الحصانة ولكن عليكم المرور علي الدوائر مرور الكرام لرفع العتب»!!.. طبعاً هناك مَن جاءوا عبر انتخابات مباشرة في الدوائر الفردية وهو النظام الذي ثبت أنه الأنسب لنا لأن العلاقة تكون مباشِرة بين المرشح والناخب.. صحيح أن نظام القوائم يحقق المفهوم الأمثل »لنائب الأمة» المهموم بالتشريع لكل الشعب ومراقبة الحكومة ومحاسبتها بعيداً عن المصالح الضيقة للدائرة وناخبيها ولكن هذا النظام لا ينجح ويحقق هدفه إلا في وجود أحزاب سياسية قوية وراسخة يمكنها تقديم قوائمها وإنجاحها وهو ما نفتقده في مصر تماماً للأسف الشديد.
أقول ذلك لأن الممارسة البرلمانية لم تُظهر حتي الآن اهتماماً أو إحساساً يُذكر بمشاكل الناس ومعاناتهم، ولم نرَ لمجلس النواب موقفاً واحداً يتصدي فيه لإجراءات وقرارات وسياسات كارثية أقدمت عليها الحكومة وقلبت حياة المواطنين رأساً علي عقب وحولتها إلي جحيم لا يُطاق، وذلك لأن معظم السادة النواب مهتمون فقط بزيادة مكافآتهم والتصفيق للحكومة في كل الأوقات فضلاً عن السعي لإصدار المزيد من القوانين المقيدة لحرية التعبير والإبداع ومحاكمة نجيب محفوظ بتهمة خدش حيائهم!!.. أما الدائرة والناخبون فهم خارج دائرة الاهتمام لأنهم ليسوا في حاجة إليهم إذ حين يجيء وقت الحساب ويحل موعد الانتخابات ستكون القوائم جاهزة في خدمتهم وسيتصدرها بالقطع كل مَن قالوا »نعم».
وحتي بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة وتعويم الجنيه ليفقد 60% من قوته الشرائية وتقفز أسعار السلع والخدمات الأساسية إلي مستويات تُلقي حتي بالطبقة الوسطي إلي ما تحت خط الفقر، لم نسمع للبرلمان صوتاً وكأن الأمر لا يعنيه رغم أن الآثار السلبية لهذه القرارات لن تقف عند حد إشعال نار الغلاء ولكنها ستقضي علي الإنتاج الصناعي والزراعي وهذا يعني أننا سنستورد كل شيء من الخارج ويعني بالتالي تدهور الجنيه إلي مستويات غير مسبوقة وانزلاق الاقتصاد إلي هاوية بلا قرار!!.. كان يتعين علي ممثلي الأمة المغلوبة علي أمرها استدعاء الحكومة فور صدور قرار التعويم أو حتي قبل ذلك، ومساءلتها عن خططها لحماية المواطنين من عواقب القرار وانفلات الأسعار المتوقع مع توفير مستلزمات الإنتاج للسلع الحيوية مثل الأدوية حتي لا نفاجأ بهذة الأزمة الخطيرة التي يهدد فيها أصحاب مصانع الأدوية بوقف الإنتاج المحلي تماماً ما لم تحرر الحكومة أسعار الدواء وهو ما يهدد حياة المرضي في الحالتين!!.. وهنا نُذَكِّر بجريمة خصخصة شركات صناعة الدواء التابعة للدولة.. كذلك تطالب شركات إنتاج الأسمدة بمضاعفة أسعار الأسمدة وإلا توقفوا عن طرح منتجاتهم في السوق المحلية.. وهو ما سوف يؤدي في الحالتين إلي موت الزراعة المصرية بالسكتة لأن الفلاحين بدأوا بالفعل هجر اراضيهم وتركها بوراً نتيجة الغلاء الفاحش للتقاوي والأسمدة وأدوات ومستلزمات الإنتاج.. وكانت الأمور قد تفاقمت إلي حد بعيد مؤخراً نتيجة رفع أسعار السولار والبنزين 80.. وهنا نُذَكِّر بجريمة بيع شركات التقاوي والأسمدة المملوكة للشعب.. ولو توقفت الزراعة فلن نجد ما نأكله وسيتعرض للخطر الشديد ليس أمننا القومي فقط وإنما وجودنا ذاته.
مهمة البرلمان ليست فقط التشريع وتمرير مشروعات القوانين التي تقدمها الحكومة، ولكن أيضاً حمل هموم المواطنين ونقل صرخاتهم ومعاناتهم إلي السلطة التنفيذية ومساءلتها بل ومعاقبتها بالإقالة إذا لم تتحرك للمعالجة والإنقاذ.. ونرجو ألا يظل المواطنون طويلاً يتساءلون: »هل لدينا برلمان حقاً.. وماذا يفعل.. وهل يمثل الشعب فعلاً؟.