فى زمن أصبح كل شىء متاحاً وميسراً، وفى زمن وصل العلم والتكنولوجيا إلى أعلى ذروة، وأصبح التواصل بين كل نقطة فى العالم أمراً يسيراً وأصبح الإنسان قادراً على الوصول لأى إنسان على ظهر الأرض فى سهولة ويسر. فى هذا الزمن اخترنا أن نكون مخابيل ومهابيل هذا الزمان، اخترنا أن نكون أراجوزات ومسخة الزمان، اخترنا المجاهرة بالجهل والمتاجرة بالفضيلة وادعاء الأخلاق، وبئست المتاجرة وبئس الادعاء.
لم نكتف بالتخلف والعجز، ولكن أخذنا من هذا الزمان أسوأ ما فيه من توافه، فأصبحنا عبارة عن مجموعة من المخلوقات المهووسة والمخبولة والتى تتاجر بأردء البضائع وأحطها على قارعة أرصفة العالم.
نستطيع أن نعرف ذلك من خلال ما ننتجه من جهل وتوافه يصدمنا كل يوم، وأحدث تجليات الخبل والجهل أن نسمع فى مجلس نواب بلد لديه الحد الأدنى من العقل ولا نقول إنه مهد الحضارة من يطالب بمحاكمة نجيب محفوظ على رواياته.. هذا عرض لمرض وليس مهماً من القائل ولكن الأهم أين أعلن هذا الهبل وكيف استقبله مجلس يمثل شعباً، إنه عرض لمرض أمة فقدت أهليتها وأصابها قصور ذهنى وعقلى وحضارى
وكأن التوافه على الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجدها عليها لاخترعناها،
ونحن نخترعها وننتجها بفخر وهى أعظم منجزاتنا مع كامل الأسى وفى كل يوم تقريباً نرى فى هذا المجتمع أصواتاً مخبولة ومهووسة فى مجالات مختلفة وفى مواقع تدعو للفزع، وعندما نرى الإعلام الذى هو مرآة الأمة ومعبر عنها وجزء من الضمير فلا بد أن نوقن ما هى ملامح ومعالم هذا المجتمع، فكل مجتمع يعكس ما يستحقه.
نحن فى سيرك أراجوزات كبير يقدم فقراته أمام الجماهير بكل ما أوتى من مهارة، فسنجد من يستطيع المشى على الحبل ولا يهتز، وسنجد البهلوان الملون بألف لون ولا نعرف لون وجهه الحقيقى إذا كان له لون، وسنجد نجوم أعلام «على صدرها ينور وعلى وشها ينور»، وسنجد إعلام الثلاث ورقات القائم على النصب والدجل السياسى والاجتماعى وسنجد إعلام «النقطة» الذى يهوى «النقوط» ويفضل أى زيطة حسب المصلحة والقوة.
نحن فى سيرك حقيقى والمجتمع يشبه إعلامه والصحافة التى تراجعت فيها المهنية قبل تراجع الحرية ولو لم تتراجع لما تراجعت الحرية. المهنة
القوية تقتضى الحرية.. الصحافة بكل أشكالها أصبحت مهنة أى عابر سبيل. لقد أكلت نفسها قبل أن تأكلها القيود والتعنت.
الصحافة الإلكترونية والمواقع الصحفية والاجتماعية فرضها عصر التواصل العالمى ولكننا اخترنا أن نمارس التفاهة والسفالة كما لو كان «طوفان»، لو كنا ننتج أو نزرع واحداً على المليون من كم التفاهات والتجارة الرخيصة بالمواقف الملقاة على الإنترنت واستخدامنا له لكنا أصبحنا دولة عظمى.
نحن حوّلنا الإنترنت من منجم معلومات إلى محيط صرف صحى ملىء بالجراثيم والفيروسات، فالشائعات والتفاهات والانحطاط والأكاذيب أصبحت السلع الرائجة، حتى المواقع التابعة للصحف المفترض أنها محترمة إن أفلتت من الأكاذيب ولم تقع فى فخ الإثارة الكاذبة التى أصبحت إحدى قواعد الإعلام من خلال عناوين تكتب لتحقق أعلى نسبة مشاهدة، وهى عناوين توحى بأشياء على غير حقيقتها أو تقول نصف الحقيقة، ولكن الإثارة والأكاذيب أصبحت القاعدة وليست الخطأ وعندما تصبح الاستنارة والرقى والعلم والصدق استثناء وأخطاء فى مقابل جهل وعتمة وتدنٍ وإثارة ومتاجرة نحن فى زمن بائس.