* نشاهد فيلما وثائقيا تكون عاصرات بعض احداثه وشاهدا عليها وان يعود الحق لأصحابه ولو بعد حين يعد هذا شعوراً جميلاً وقد انتابني هذا الشعور عقب مشاهدتي لفيلم "هامش في تاريخ البالية" للمخرج هشام عبدالخالق والذي عرض ضمن افلام البانوراما في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير.
الفيلم يتناول نشأة فن الباليه في مصر من خلال لمسيرة الخمس الباليرينات اللاتي كن نواة لهذا الفن وهن داوود فيظي وديانا حقاق وعليه عبدالرازق ومايا سليم وماجدة صالح والأخيرة جاء هذا التاريخ من خلال رؤيتها وسيرتها الذاتية وكان طريقة حديثها الموضوعي وترتيبها للأفكار من عوامل نجاح الفيلم الذي يحسب لمخرج هذا التناول السينمائي المتميز سواء في السيناريو المتقن ومزج تاريخ الباليه بالحقبة الزمنية وتتابعها بالإضافة لتعريفنا برواد هذا الفن في مصر سواء من ظهر منهم في الفيلم أو من تم الحديث عنهم سواء من الباليزنات او راقصي الباليه الرجال مثل يحيي عبدالتواب ورضا شتا وعبدالمنعم كامل.
والباليرنات الخمس الذي يركز الفيلم عليهن كان يطلق عليهن خماسي البولشوي حيث تلقين تعليمهن في موسكو وتولي رعايتهن د.ثروت عكاشة الذي تم انصافه في هذا الفيلم وتجلي واضحا دوره في إرساء دعائم النهضة الثقافية الحديثة في مصر والفيلم وثائقي بامتياز وسجل جزءاً مهماً من تاريخنا بتفاصيله من الاحداث السياسية والتغييرات الاجتماعية التي أثرت في هذا الفن ايضا تناول حريق الأوبرا القديمة الذي جاء سلبياً عليه كما تناول نشأة الأوبرا الجديدة وهذا هو الجزء الذي عاصرته شخصياً وشاهدت كيف تم بناء هذه الدار علي اكتاف ماجدة صالح وكيف انها نظمت الموسم الأول وكيف تم الغدر بها ليتم إلغاء انتدابها قبل الافتتاح بأيام.
ولهذا اري ان الفيلم اعاد لها الاعتبار خاصة انه أوضح أيضاً دورها في مساندة المصريين هنا وفي امريكا حيث تعيش هناك منذ أكثر من عشرين عاماً.. وبالرغم ان الفيلم جاء باللغة الانجليزية لم نشعر إطلاقا انه موجه للمشاهد الأجنبي فقط لأن اللغة السينمائية ذات الحرفية العالية والمشاعر الانسانية الكثيرة التي غلفته وتعدد الشخصيات التي تحدثت في الفيلم وموسيقي ريمون صقر وصوت السبرانو المصرية أميرة سليم كل ذلك أضفي عليه سمة العالمية ولكن بروح مصرية كما ان عنصر التعليق المتنوع بين الراوي وماجدة صالح والمتحدثين وتحرك الكاميرا بسلاسة واختيار زوايا تصوير جيدة ومتنوعة والمونتاج الرائع والذكي لرامي تادرس كل هذا لم يجعلك تشعر بطول الفيلم الذي استمر ما يقرب من الساعتين رغم ان الفيلم وثائقي إلا انه اتضحت فيها تماماً رؤية المخرج الذي تجلي لنا بوضوح انه يعتز بحضارتنا الحديثة.