نبيل فكرى
مساء الأمل .. إلي طارق عامر
أدرك كما يدرك كثير من الناس أن الظروف الحالية التي تمر بها البلاد تحتاج إلي الصبر والتكاتف وإلي كثير من إنكار الذات وإعلاء مصلحة الوطن. من أجل أن نعبر هذا المنعطف الفارق في مسيرة البلاد. وقد أثبت المصريون في الفترة الأخيرة أن لديهم من الوعي والتجرد. الكثير. وبفضل هذا الوعي. ذهبت كل دعاوي ومخططات المغرضين والمتربصين سدي.
لكن تشريد الناس من أعمالهم هو أمر لا يجدي معه صبر. ولا طاقة لأحد به. فمن يعمل. انما هو يكابد ما يكابد من أجل أسرة معلّقة في رقبته. وأولاد ينتظرونه كل مساء. وقد عاد بالنزر اليسير من احتياجاتهم ويودعونه كل صباح وقد ترك في صدورهم أملاً بأنه يعمل ويسعي ويجاهد من أجلهم .
منذ أيام تلقيت رسالة من 400 عامل في البنك الأهلي الكويتي. موقّعة من 35 نيابة عن هؤلاء العمال. والتقيت بعضاً منهم. لاستجلاء الحقيقة. والوقوف علي شكواهم. التي رفعوها إلي طارق عامر محافظ البنك المركزي. يطالبون فيها بوقف مخطط تشريدهم وإلقائهم في الشارع وإجبارهم علي تقديم استقالاتهم اعتباراً من أول يناير المقبل. أنا لا أعرف حقيقة ما تحمله شكواهم من أوضاع. لكن ما قرأته في عيونهم ينم عن خوف من المستقبل. ويأس لا يدري أحد مداه. ولذا آثرت أن أضع الرسالة بجملتها بين يدي محافظ البنك المركزي. للنظر فيها. والتحقيق فيما ورد بها من ممارسات لو صحت فهي غير مقبولة بالمرة. الرسالة تؤكد أنهم مجموعة من أفراد الأمن والخدمات المعاونة وعمال النظافة والسائقين في بنك "بيريوس مصر" سابقاً والذي أصبح الآن "البنك الأهلي الكويتي" وكانوا يعملون في بداية مشوارهم بالبنك المصري التجاري قبل أن ينتقلوا إلي "بيريوس". الذي أسس شركة تابعة له تحت اسم شركة نظم التخزين المتكاملة. وقام بعد ذلك بنقل الأمن والخدمات والسائقين إلي هذه الشركة وبعد أن تم بيع البنك اشترت مجموعة هذه الشركة دون علم العمال أو اخطارهم بالوضع الجديد واليوم. وحسب تأكيدات العمال. هم يطلبون منهم تقديم استقالاتهم وإلا فسيتم فصلهم.
يتساءل هؤلاء العمال: ماذا نفعل في أولادنا وأسرنا وأين نذهب؟وهل هذا هو جزاؤنا بعد السنوات التي قضيناها في العمل داخل كيانات من المفترض أنها كبيرة وراسخة؟ وهل يرضي محافظ البنك المركزي. القائم علي المنظومة المصرفية المصرية. أن يتم تشريد 400 أسرة لا ذنب لها سوي أنها تطلب الكفاف والستر؟
يناشد هؤلاء العمال. طارق عامر. التدخل. وأناشده بدوري التحقيق في الأمر. والوقوف علي حقيقته. ويقيني أنه لن يرضيه - أن يحدث ذلك.. لن يرضيه إن صح ما يقال وما يخطط له - أن يلقي عمال مصر في الشارع بعد أن أفنوا سنوات عمرهم في خدمة بلدهم. أيا كان نوع الخدمة التي يقدمونها.. لن يرضيه أن ينضم 400 كادح وأسرهم إلي صفوف "العواطلية" اليائسين المحبطين.. لن يرضيه أن نقتل الأمل. وأن نسلب الأطفال حقهم في الحياة.. لن يرضيه أن نثقل علي مصر بآلام جديدة لأبنائها الصابرين.
* ما قبل الصباح
قتل الأمل.. جريمة تتجدد بالتقادم.. لا تسقط أبداً.