مؤمن الهباء
شهادة .. يوم التضامن الحزين
29 نوفمبر هو اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني بناء علي قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1977 تري هل تذكر العالم هذا اليوم بالأمس.. وهل مازال هناك في هذا العالم من يتذكر الشعب الفلسطيني من الأساس ويتعاطف مع محنته ويتضامن مع قضيته العادلة؟!
ربما يكون السؤال الأهم: وهل تذكر العرب قضيتهم الأولي في هذا اليوم.. قضيتهم المركزية والمحورية كما كانوا يقولون.. وكيف أعلنوا تضامنهم معها؟! بل هل تذكر الفلسطينيون أنفسهم يومهم هذا.. وكيف تذكروه يا تري وهم مشغولون بصراعاتهم الداخلية؟!
شتان بين ما كان في عام 1977 حين اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار إعلان التضامن مع الشعب الفلسطيني في 29 نوفمبر من كل عام وبين الواقع الفلسطيني الكارثي الآن.. حوالي 39 عاما مرت في زمن المفاوضات العبثية والسلام الزائف والمخططات الجهنمية لتفجير القضية من داخلها بالدسائس والمؤامرات والفرقة وقلب الموازين والمفاهيم.
والنتيجة المرة التي يجب أن نعترف بها هي التي فرضت نفسها علي جميع الأطراف.. هزيمة تاريخية لأعدل قضية في العالم بسبب اسوأ محامين تولوا أمرها.
الصراع الآن لم يعد بين العرب وإسرائيل.. وإنما صار بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. ثم بين الفلسطينيين بعضهم البعض.. صراع بين فتح وحماس.. وصراع بين اجنحة فتح ومن يدعون أنهم قادتها.. تتحول غزة إلي سجن كبير يعيش فيه مليونا مواطن معظمهم مشردون بعد تهدم منازلهم.. وتتحول رام الله إلي سجن كبير لمن يعيشون في وهم السلطة وهم أسري القرار الإسرائيلي حتي في تحركاتهم الداخلية.
عندما حصلت المقاومة الفلسطينية علي أول بندقية تصوبها تجاه العدو غنينا معها: ¢أصبح عندي الآن بندقية.. إلي فلسطين خذوني معكم¢.. الآن صارت المقاومة إرهابا.. وصارت البندقية الفلسطينية موجهة إلي الصدر الفلسطيني.
وبعد التشتت الفلسطيني الكبير جاء التشتت العربي الأكبر ليصرف الأنظار عن القضية المركزية ويحرمها من عمقها الاستراتيجي بعد أن انشغل كل بلد عربي بأزماته وحروبه.. ولتقول إسرائيل للعالم: انظروا هؤلاء قوم لا يعرفون شيئا عن التعايش السلمي والحرية والديمقراطية والتنوع والتعددية.. هؤلاء قوم لا يعرفون لغة العصر الذي يعيشون فيه.. يقتلون أنفسهم في حروبهم المذهبية والطائفية وصراعاتهم السياسية بأكثر مما قتلناهم.. هؤلاء لا يستحقون التعاطف والتضامن ولا يرجي من ورائهم خير.
وبعد الاستنزاف العربي في الحروب العبثية.. لم يعد لدي العرب من الوقت والجهد والمال والدم ما يبذلونه من أجل قضيتهم المركزية.. فقد تعددت قضاياهم وصراعاتهم.. وصار بأسهم بينهم شديد.. مع أنهم لو دافعوا عن قضيتهم المركزية لدافعوا عن أنفسهم وعن أمنهم القومي.. ولأمنوا مكر الكائدين وما انفتحت عليهم أبواب جهنم من كل جانب.
من يتضامن اليوم مع الشعب الفلسطيني؟!
سوف تدهش إذا علمت أن الذي تذكر هذا اليوم وذكرنا به هو بانكي مون السكرتير العام للأمم المتحدة الذي كان عليه - من باب البروتوكول فقط - أن تحتفل المنظمة الدولية بهذا اليوم ما دام قائما في الأجندة الدولية ولم يتم إلغاؤه بعد.. وكان عليه أيضا أن يوجه كلمة في هذه المناسبة وقد فعل.. لكنها في الواقع كانت كلمة حزينة ساخرة أكثر من كونها كلمة للتضامن حيث قال فيها ان الانقسامات الفلسطينية الداخلية والاقتتال الدائر في الضفة الغربية قد أضافت بعدا جديدا ومثيرا للقلق للصراع العربي الإسرائيلي.
أظن أن أكثر المتفائلين بالسلام مع إسرائيل لم يكن ليتصور أن يأتي اليوم الذي تشارك فيه السلطة الفلسطينية في إطفاء حرائق إسرائيل وتهرول فيه معظم الدول العربية لاقامة علاقات مع حكومة الإرهابي نتنياهو.. ولكن ماذا تحقق علي الجانب الآخر ماذا تحقق للشعب الفلسطيني.. المعاناة نفس المعاناة وأسوأ.. وضاع التضامن الدولي الذي كان.
لذلك مضي يوم التضامن العالمي كئيبا حزينا لا يكاد يذكره أحد.