البديل
محمد حماد
الدول لا تبني بـ”البروباجاندا”
سهل أن يصدقك بعض الناس بعض الوقت، ولكنك لن تستطيع أن تكتسب ثقة الناس طول الوقت، خاصة وأن سعادتك تمضي على نفس السياسات المطبقة من خمسين سنة؛ وكانت هي السبب في “الخراب” الذي تكلمت عليه حضرتك؛ ورأيته رأي العين في كل مكان وضعتَ يدك فيه لتتلمس أوضاعه؛ وسيأتي وقتٌ يسأل فيه الناس جميعاً : لماذا الإصرار على نفس السياسات ونفس الانحيازات التي أوصلتنا إلى ما يشبه الدولة؟
كل سياسة أوصلتنا إلى “أشباه الدولة” لا تزال قائمة، وفي صورة أسوأ، لا شيء تغير مما كان يجري طوال السنوات الماضية، النظام هو النظام، والأشخاص من نفس النوعية، واختيارهم يتم من الجراب ذاته، والسياسة القائمة هي نفسها القديمة بحذافيرها، ما الجديد إذن الذي يجعلنا نصدق أنه بعد سنتين أو ثلاثة أو حتى عشرة سوف نفاجأ بأن مصر صارت جنة، وقد الدنيا؟
أيُ جنةٍ موعودة تلك التي يزداد الفقراء فيها كل يوم فقراً؛ ولم يعد أمل الغلابة أن تتحسن أوضاعهم الحياتية؛ وانحسر أمل كل فقيرٍ في أن يحافظ على مستوى الفقر الذي وصل إليه؛ وصارت كل أمانيه ألا تأتي الأيام بما ينحدر به إلى ما هو أسوأ..
بالله عليكم قولوا لنا: أي جنةٍ تلك التي يزداد القمع فيها، وتتعدد صوره المفزعة، وتنال من كل الناس الغلابة؟
أي جنةٍ تلك يمكن أن تُبنى في دولةٍ منزوعة الشباب؛ لا تعرف كيف تتواصل معهم، وتفشل في أن تستوعب طاقاتهم، وهم يشكلون ثلثي الحاضر وكل المستقبل.
أسأل ضمائركم: هل يمكن أن تقوم في مصر جنة في زمن صناعته الوحيدة الرابحة هي صناعة الطبل والزمر؟!
البلد في حاجة ماسة إلى الخروج من حالة انعدام الأفق التي أدخلت إليها بانعدام الرؤية؛ ووأد السياسة، وأهل البلد يريدون أمارة على الطريق؛ أمارة تقول إننا ماضون في سكة السلامة ؛ وأننا مش رايحين مغمضين بالملايين على سكة الندامة ..
الأمارات المطلوبة واضحة، وكلها بدون تكلفة مالية، والأمثلة كثيرة، انظر مثلاً في أمارة أن تخفف من حمولة المظالم التي تحملها البلد على أعصابها ، ابدأ بإفراغ السجون من شباب الثورة، وافرج عن كل من لم يحمل سلاحاً، ولا شارك في تخريب، ولا أدين بإرهاب، قلل كمية الظلم وحجم المظالم التي تعج بها السجون ومراكز الحجز ؛ حاسب بجدية كل مسئول عن إهدار كرامة أي مواطن، واعلن مصر دولة خالية من التعذيب، وعاقب مرتكبيه بأقسى عقوبة يسمح بها القانون..
بدلاً من بناء سجون جديدة تعالوا نبني مصانع جديدة، مصانع إنتاج حقيقي، مصانع تحمي اقتصاد البلد وتوقفه على رجليه، أليست هذه أحد الأمارات على أننا نمضي على الطريق الصحيح؟.
اعلن الحرب على الفساد، وحوّل كل ملفاته إلى قضاة تحقيق مشهود لهم بالنزاهة والأمانة والشرف، واعلم أن الدولة مهددة بالفساد الذي ينخر في أساسها، وليست مهددة من الشباب “اللي نفسه يلاقي نفسه” في بلد حلم بها ودفع دمه ثمناً لتحقيق حلمه ..
.
اطرح مشروعات الأراضي الزراعية الجديدة ومشروع العاصمة الجديدة للنقاش المجتمعي المفتوح بدون قيود، واستدع كل خبراء وخبرات الوطن حتى لا تتحول المشاريع الجديدة إلى “فنكوش” جديد .
ابدأ من اليوم في وضع الخطط التي تحقق لمصر الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية موضع التنفيذ الفوري، عيب والله أن تستورد مصر الفول والعدس؛ حرام والله أن يكون استهلاك المصريين من الفول هو الأعلى في العالم ثم يستوردونه من بلاد تزرعه ولا تستهلكه ..!!
الأمارات المطلوبة على الطريق إلى مستقبل آمن كثيرة وسهلة وغير مكلفة، تبدأ بتوفر الإرادة وتحديد الانحيازات، أولها انحياز حاسم لثورة يناير؛ التي لولاها ما كنتم هنا، والعمل بجدية على تحقيق أهدافها، وهي أهداف نادت بها الأمة ونص عليها الدستور، وليس آخرها انحياز لفقراء البلد، انحياز بالسياسات وليس بالصدقات، انحياز حقيقي يقوم على اقتصاد الأغلبية لا اقتصاد الأقلية.
لا إمكانية موضوعية لاستمرار الحال على ما هو عليه، ولا أمل في إصلاح اقتصادي حقيقي، ومكانة إقليمية تليق بمصر، ولا طريق آمن إلى المستقبل بدون استعادة المسار الديمقراطي الذي حفرت معالمه ثورة يناير ووضعت أسسه في دستور 2014. غلق المجال العام في البلد يغلق معه منافذ تصحيح المسار وتعديل أخطاء المسيرة.
والله الحسبة بسيطة أساسها، أنت مع من وضد من، مع الفقراء، أم مع الذين اغتنوا من المال الحرام، والذين أثروا من أموال الدولة المنهوبة، مع الشباب والمستقبل، أم مع الذين فقدوا صلاحيتهم من زمان مبارك ، مع مصر المبنية على التسلط والقمع والفساد والاستبداد ، أم مع مصر الجديدة التي تُبنى على الحرية والعدالة والكرامة ..
دي سكة ؛ ودي سكة تانية خالص ؛ وعمرهم ما ها يلتقوا …
——————————
*البروباجاندا: في معناها المباشر تعني الدعاية بالأكاذيب وأنصاف الحقائق، ولوي الحقيقة، وتستغل فيها التقنيات الحديثة للتأثير في الرأي العام وتوجيه أفكار وقرارات الناس السياسية، والاجتماعية، والدينية أيضاً، وتستخدم في ذلك تقنيات وأساليب سيكولوجية عديدة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف